باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

عدنان عبد الرازق يكتب: تلك القمة الواطئة.. والسودان مثالاً

651

من يمنحني براءة إبداع، إن نشرت لكم توصيات القمة العربية “الاقتصادية فقط” قبل انطلاق القمة حتى؟

أقول “الاقتصادية فقط” ليس لأن القرارات السياسية العربية تُطبَخ وتُصاغ بمراكز قرار غير عربية، وليس لأن السياسة لا دين ولا مبدأ لها، فهي تنطلق من مصالح الأقوياء وتُملى على المستضعفين.

بل وليس لأن ثمة مبادئ جديدة دخلت على أبجديات القادة العرب، فرضتها الثورة المضادة على حلم وتطلعات الشعوب، فأن يكون السبب، الظاهر على الأقل، لعودة نظام الأسد إلى الجامعة، لاتقاء شره بتهريب الكبتاغون والحشيش، ففي ذلك وحده، شريعة جديدة قد تتحول عرفاً، يعتمدها كل “بلطجي أثيم”.

ولا حتى لأن دعم “المليشيات” خارجياً وعربياً، يحوّل زعماءها إلى شركاء بالوطن، كما حميدتي السودان، فتركز القرارات والتوصيات السياسية على الحل السلمي وتنشغل بإيواء وإغاثة اللاجئين والهاربين من نيران “الإسعاف السريع” من دون التطرق إلى الانقسام والشرذمة وقيادة قباطين عدة، لقارب متهالك أصلاً.. فتعمم تجربة لبنان بحكومة داخل الحكومة ودولة داخل الدولة، ويبقى لمن يهمه الأمر بالخارج، ذريعة تدخل مستمرة وبشعارات مصالح الشعب.

لذا، أغلب الظن أن التنبؤ بالاقتصاد، أقل ضغطاً على النفس وأسهل بتعبيد طريق عودة، بزمن كثرت خلاله المطبات والحفر.

قصارى القول: لمن يهمه الأمر وقبل أن تأخذه الشعارات العريضة والكلام الكبير الذي سيسمعه غداً أو بعد غد، نقول: لا تزيد التجارة العربية البينية، وبأحسن أحوالها على 13.8% من حجم التجارة العربية. ما يعني أن لتشابه هياكل الإنتاج وانخفاض مستويات التنويع الاقتصادي وانعدام تنافسية الصادرات، عدا طبعاً المزاج السياسي المرتبط بحسن علاقات الأخوة، الأثر الأبلغ في بقاء دول العرب تابعة ومستهلكة وبعيدة عن التطوير وقيادة أي دفة للتجارة ومنها، للسياسة.

وقبل أن يقع المتلقي فريسة أرقام التجارة العربية الكبيرة، نفيد بأن الصادرات النفطية، تمثل أكثر من 50 في المائة من إجمالي الصادرات العربية، ولذلك ما له من تغليب الريعية على هوية الاقتصادات وتحويلها لاقتصادات استهلاكية وإبقاء مواردها وموازناتها، عرضة لتقلب أسعار الزيت الأسود.

لذا، ولأن التاريخ يعيد نفسه، مع تبدل ضئيل بالوجوه والشعارات والتحالفات، ستأتي توصيات قمة جدة غداً على الإسراع باستكمال جميع متطلبات تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ومن أهمها الوصول إلى الاتحاد الجمركي العربي، والتفعيل الكامل لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات، وتطوير آليه فضّ المنازعات والرصد والمتابعة على الأرجح، من دون أن يشير قارئ التوصيات إلى أن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تأسست منذ عام 1997 “لتشجيع التبادل التجاري بين الدول العربية، والحفاظ على مصالحها أمام التكتلات الاقتصادية العالمية”، ومنذ ذاك والتوصيات ذاتها تعاد لتدخل منطقة التجارة العربية حيّز التطبيق ويتم تحرير تجارة السلع والخدمات بين العرب، ليصلوا إلى حلم الاتحاد الجمركي العربي.

ونظراً لسطوة قطاع الأعمال وأغنياء ما بعد ثورات الربيع العربي، وعلى اعتبار أن جلّ رجل الأعمال والمستثمرين، يعملون بوظيفة مشغل بنسبة مئوية والأموال تعود للقادة، ستركز القمة على زيادة مشاركة القطاع الخاص العربي باتخاذ القرار عبر مساهمته بصياغة القرارات، وزيادة دوره في تحقيق وتنمية التجارة العربية البينية والتكامل الاقتصادي، وسيكون على الأرجح، توصيات من قبيل تعزيز الاستثمارات العربية، طبعاً من دون مقارنة حجم الاستثمارات البينية بما يستثمره العرب بسندات الخزينة الأميركية أو العقارات الأوروبية أو الملاهي والنوادي الرياضية حول العالم.

ولتأكيد ثبات المواقف واقتداء السلف بالخلف، ستعرّج التوصيات على ضرورة التكامل القطاعي والشفافية بالتعاملات البينية، وصولاً للب القول إن العالم يعيش تكتلات ولا بد لنا كعرب، من الاستفادة من نقاط قوتنا ونؤسس لتكامل اقتصادي، وصولاً للوحدة النقدية والجمركية.. والوحدة العربية.

نهاية القول: أن ننكأ أوجاع وجروح القمم، فلأننا نطمح إلى أوطان لا مزارع. ونتطلع، فعلاً لا قولاً، إلى استثمار ثروات الدول العربية، والبشرية بمقدمتها، ليخرج المواطن العربي من دوائر التجويع والإذلال، إلى فضاءات الإبداع والتطوير، وربما من السودان، جرح العرب النازف اليوم، أكبر صدقية على خروج قمة المملكة العربية السعودية عن التكرار و”شرف الوثبة”.

فالبلد الذي بدأ، كما من حلم بالحرية والكرامة قبله، بتصدير لاجئين للعالم ونازحين للصحاري، واحد من أكبر ثلاثة بلدان في القارة الأفريقية من حيث المساحة، وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوافر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة بما يقارب 16 مليوناً و900 ألف هكتار.

أي بلغة بسيطة ومختصرة، يمكن أن يكون السودان خزان غذاء عالمي، يغني الفقراء عن ضغوط الجشعين وخبث الساسة خلال الحروب، لا أن يكفي أهله ومحيطه فحسب.

فإن خرجت القمة العتيدة بتسوية تضع المليشيا بمصاف الجيش، فلن تختلف بترحيل المشاكل، إن لم نقل تعظيمها، عن سابقاتها، أما إن دعمت استقرار السودان وتحكيم القانون ودعم محاسبة شذاذ الأفق، فستؤسس لآمال جديدة، رغم أن حضور رئيس النظام السوري الذي قتل وهجّر نصف السكان يقطع الطريق على أي تفاؤل.

نقلاً عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: