هنادي الصديق: جنرالات السيادي
بلاحدود
*معلوم إهتمام العالم الخارجي بما يحدث داخل السودان، وينتظر المهتمون بقضية التحول الديمقراطي كافة ما يدور بين الشركاء الداخليين وأصحاب المصلحة من الخارج بعين إستخباراتية فاحصة، على أمل حدوث التحول بوتيرة أسرع مما يحدث الآن.
*فالتقارير الإستخباراتية منحت على ما يبدو الكاتب (جان باتيست غالوبين) ، من منظمة المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية، مساحة حرة ليعكس حقيقة الوضع والمخاطر الكبيرة التي تواجه التحول الديمقراطي في السودان، وهي ذات المخاطر التي سردناها كثيرا جدا في هذه المساحة.
*التقرير الذي جاء تحت عنوان:( شراكة سيئة).. المال يهدد عملية الانتقال في السودان، أوضح أن الشركات الضخمة التي يسيطر عليها الشق العسكري في الحكومة الإنتقالية (الجيش السوداني، جهاز الأمن، والدعم السريع)، تمثل تهديداً كبيراً لهذا الانتقال، إلى جانب تدخل بعض الدول التي تدعم اطرافاً محددة في الحكومة، مضيفا أن انتقال السودان إلى الحكم الدستوري في إتجاهه للفشل، باعتبار أن إصلاح المؤسسات السياسية لم يبدأ، في حين تواجه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة جدا، وتراجعاً كبيراً في الحياة المعيشية، وتزايداً ملحوظ في أحداث العنف الداخلية.
*التقرير لم ينس الجناح المدني في الدولة السودانية والذي وصفه بانه يفتقد لأهم مقومات القوة وهو المال، الذي يقف عائقا امام مواجهة جنرالات الجيش الذين يملكون ويسيطرون على كل شئ إبتداءا من المال المتمثل في شبكة مترامية الأطراف من الشركات التي تظل خارج سيطرة البنك المركزي ووزارة المالية، بغرض الوصول إلى السلطة السياسية، وكأنما أراد التقرير الإشارة إلى أن الحاكم الفعلي هو الجنرالات وليس المدنيين كما يعتقد الجميع.
*ودلل على ذلك بقوله : يبدو أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تضعان زعيماً شبه عسكري (حميدتي) كحاكم للسودان المقبل، لكن الجيش معادٍ له بشدة، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر، وهو الامر الذي يقف حياله جنرالات السيادي مكتوفي الأيدي بعد أن فرضت عليهم دول المحور ان يكونوا تحت إمرتها مستخدمة معهم سياسة (الجزرة والعصا).
*بالمقابل فقد خذلت الدول الغربية والمؤسسات الدولية الجناح المدني للحكومة بعد فشلها في توفير الدعم المالي والسياسي الذي من شأنه أن يسمح لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالإحتفاظ بموقفه الخاص ضد الجنرالات، ولعل موقف الغرب كان من الممكن ان يكون إيجابيا وداعما بقوة لولا جائحة (كوفيد 19) التي خصصت لها معظم ميزانيات الدول الكبرى لمواجهتها.
*خلاصة القول إنه لن تنجح الحكومة في تحقيق الإستقرار الأمني والسياسي، مالم يتحسن الإقتصاد بفضل السياسات الناجحة والحلول الجذرية لكافة معيقات التنمية بالبلاد. وهذا لن يكون إلا بهزيمة تطلعات جنرالات المكون العسكري بتوحيد الجبهات الداخلية وتنازل شركاء الحرية والتغيير بكافة مكوناتهم عن الصراع السياسي الذي لن يخدم سوى مصالح الجنرالات ومن يقف خلفهم من المتطلعين للعودة مرة اخرى.
*فترجيح ميزان القوى لن يكون صعبا مالم يتعامل الجميع بجدية وحزم أمام طموحات الشريك الذي نسي انه موجود ليحمي الثورة لا ليحكم ويفرض سيطرته، ويدخل البلاد في نفق مظلم أكثر مما هي عليه الآن، ولعل تسليم المطلوب للجنائية الدولية علي كوشيب نفسه من شأنه أن يقلب موازين القوى خلال الفترة القادمة بعد أن بات مهددا لعرش جنرالات السيادي ممكن يشتركون معه في ذات التهم.
*تسليم المخلوع عمر البشير للمحكمة الدولية هو الآخر سيكون له ما بعده إذا ما تم، وسيضع حدا لتدخلات الجنرالات المستمرة في سياسات الدولة الخارجية، وسيرفع إسم السودان من كافة أشكال العقوبات المفروضة عليه لعقود.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.