باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

عثمان ميرغني يكتب: نحن لا نسير في الاتجاه الصحيح

120

حاولت جاهدًا أن أجد ولو نصف شمعة أبشر بها المواطن السوداني، وأدلل بها على أن منهج إدارة البلاد -بعد صدمة الحرب- قد تغير بما يمكن أن يُنجب دولة راشدة تستفيد من أخطائها لبناء مستقبل آمن.. هاكم الأمثلة الدالة على ذلك، وبعضها عرضته في صفحتي على فيسبوك خلال الأيام الماضية:
قرار وزير التعليم العالي بعودة الجامعات السودانية الحكومية والخاصة للعمل من داخل السودان. هذا القرار يُعد نموذجًا جيدًا لمنهج إدارة الدولة. نطاق تأثيره كبير للغاية، إذ يشمل عشرات الجامعات التي ينتسب إليها مئات الآلاف من الطلاب. كل طالب أو طالبة يمثل أسرة سودانية، وبهذا يصبح وراء كل طالب ما يقارب خمسة أفراد على أقل تقدير. بسهولة يمكن إحصاء عدة ملايين يمسهم القرار بشكل مباشر.

فهل وجد هذا القرار فترة حضانة كافية في كنف العقول الخبيرة لإنضاجه قبل أن يصبح واقعًا؟ ثم هل تم استطلاع رأي أصحاب المصلحة المتمثلين في إدارات الجامعات وهيئات التدريس فيها، فضلاً عن الطلاب وأسرهم؟ تتسع الأسئلة لتنظر في السيرة التاريخية لخروج هذه المؤسسات من السودان بحثًا عن ملاذات آمنة لها ولطلابها في دول أفريقية وعربية. هل كانت الوزارة جزءًا من حركة البحث عن حلول، ثم القرارات بالهجرة؟ هل بذلت الوزارة أي جهد لتوفير بيئات صالحة لهذه الجامعات داخل السودان، ولو جزئيًا، بما يتناسب مع الطلاب الذين لم تسعهم ظروفهم المادية للهجرة؟
هذه مجرد أمثلة لأسئلة مهمة تستكشف الحيثيات التي بُني عليها القرار، في سياق البحث عن تغيير في منهج الإدارة في بلادنا بعد صدمة الحرب.

ثم قرار آخر ظهر على وسائل الإعلام في الأيام الماضية، يتحدث عن بدء استئناف عمليات “إعادة الإعمار” لبعض الشركات. هنا الأسئلة أكثر فداحة. من حيث المبدأ، هل أقرت الدولة أن المرحلة بعد الحرب هي “إعادة إعمار” أم “بناء الدولة”؟ هناك فرق هائل بين المفهومين، وتأثير كبير على مستقبل البلاد. عندما تبني الحكومة مفاهيم العمل على أساس “إعادة الإعمار”، فإنها تقلص كثيرًا من مساحة التغيير المطلوبة بعد هذه المرحلة المدمرة القاسية. وتقع الحكومة في خطأ محبط عندما تبدأ من نقطة تثبيت الواقع الفاشل الذي كانت تعانيه بلادنا، لتحاول أن ترمم فوق ركامه وطنًا ينطلق من نقاط الضعف لا القوة.

مفهوم “إعادة الإعمار” يعني أن الخارطة الهيكلية العمرانية والاقتصادية والسكانية لن تتغير إلا بما يحقق إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل 15 أبريل 2023، أو أحسن قليلاً. بينما مفهوم “بناء الدولة” يعني تجاهل المسلمات التاريخية التي كرست واقعًا متخلفًا في السودان، والبدء من نقطة صفر افتراضية لا تعتد بمرجعية ما كان في الماضي.

لأضرب مثالاً يوضح الفكرة: المنطقة الصناعية في مدينة الخرطوم بحري. بمفهوم “إعادة الإعمار”، ستشهد حركة تأهيل للمصانع لتعود إلى العمل، وربما إصلاح بعض الشوارع. لكن بالضرورة لن تُطرح الأسئلة المهمة:
• هل نحتاج من الأساس إلى إبقاء المنطقة الصناعية في موقعها القديم؟
• هل نحتاج إلى إعادة تأهيل المهل نحتاج إلى اعادة تأهيل المصانع ذاتها التي كانت قبل الحرب؟
• كم منها كانت أصلا تعمل؟
• وكم من التي كانت تعمل.. توفرت لها البيئة الصالحة والماكينات الحديثة التي تمنح القدرة على التنافسية بتقليل التكلفة وتحسين الجودة؟
• ماهي جدوى اعادة اعمار المنطقة الصناعية في موقعها القديم؟
• وما هي جدوى بناء منطغ صناعية جديدة متطورة بمواصفات العصر في موقع آخر خارج منطقة الوسط؟
• هل نحتاج لثلاث مناطق صناعية في الخرطوم وامدرمان وبحري؟ أم بالامكان دمجها في مدينة صناعية بخصائص اقتصادية متطورة و لها القدرة على استيعاب كتلة سكانية يتصل نشاطها بالصناعات؟
اسئلة كثيرة تحتاج الاجابة عليها منصة انطلاق لا تستبطن “اعادةالاعمار” بل “بناء دولة حديثة”.
نحن لا نسير في الاتجاه الصحيح.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: