باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

أمير تاج السر يكتب: حوافز الكتابة وجائزة كنفاني

901

*من الجوائز التي انضمت أخيرا لمكافآت الكتابة الروائية بالتحديد، جائزة غسان كنفاني التي اعتمدتها وزارة الثقافة الفلسطينية، تخليدا لذكرى كاتب مهم، ومناضل كبير استشهد صغيرا، وترك بصمة نضالية عظيمة، وبصمة كتابية ما زال يستشهد بها حتى الآن. وكلنا قرأنا بالطبع روايات مثل «ما تبقى لكم»، و«رجال في الشمس»، و«برقوق نيسان»، وكل ما كتبه كنفاني في عمره القصير، وأظنه كان سيبدع أكثر لو عاش قليلا، كعادة المبدعين الفلسطينيين، الذين علمتهم المشقة كيف يبدعون في كل حرف الفنون.

*جائزة كنفاني تبدو لي منذ دورتها الأولى، التي أعلنت قائمتها القصيرة منذ فترة قليلة، وضمت أربع روايات من بلاد عربية مختلفة، جائزة جاذبة، أولا لأن اسمها جاذب، فكل ما هو مختص بمبدع مثل غسان، يلفت الأنظار، وأيضا لأن فيها عائد مالي جيد للذي يفوز بها. وهذا بالطبع مهم في زمن انحسرت فيه المادة، وتدهورت اقتصادات معظم الدول، وتأتي مسألة الكتابة أو الإبداع الذي في الغالب بلا ثمن.

*مجرد كتابة شاقة تهلك المبدع، وتأخذ الكثير من وقته، ولو كان ثمة عائد فهو للناشر فقط، ويؤسفني بشدة القول إن ناشرين كثيرين يوقعون مع المبدع العقود التي من المفترض أن تحفظ حقه، ثم لا يحصل المبدع على شيء أبدا، ولا حتى يخاطب بما له أو عليه. وهذا ما أسميه دكتاتورية النشر، الشبيهة تماما بدكتاتورية العسكر، حيث في كلا الحالتين يوجد طرفان، مفترضان، لكن المكاسب لطرف واحد فقط. الطرف الأقوى، والناشر بما يملكه من طرق لطبع الكتب وتوزيعه، أقوى بلا شك.

*المبدعون لا يتوقفون عن الإبداع، هذا قدر بكل تأكيد، ولا يتوقفون عن النشر، لأن لا قيمة لنصوص أنفق فيها وقتا وعرقا، إن بقيت حبيسة أجهزة الحواسيب، أو حبيسة الأدراج في التعبير القديم، حين كان الناس يكتبون بالقلم على الأوراق.

*فالذي يخطر على بال المبدع بمجرد انتهائه من نص، ومراجعته، أن يرسله لناشر، بغض النظر عن أي حقوق عاجلة أو آجلة، المهم أن تتم قراءته ومراجعته في مواقع القراءة، وصناعة النشوة المرجوة، وهكذا يساهم في تغذية دكتاتورية النشر.

*الجوائز لذلك تبدو مكاسب حقيقية، لأنها ليست للناشرين، وإنما لجهات معينة، حكومات أو مؤسسات ثقافية، ترعاها، وتمنح الفائزين حقوقهم بلا أي تأخير، وإن كان بعض الناشرين أيضا، يلاحقون المبدعين إلى فرحة الفوز بجائزة، إن حدث، فتجد عقودا فيها فقرة تنوه باقتسام الجائزة بين المبدع والناشر، إن حدث وجاءت. وفي هذا السياق، يكون الناشر مستعدا بنسخته من العقد لتقديمها للجهة الراعية للجائزة بمجرد الإعلان عن فوز كاتبه، وليس مستعدا لمطالعة هذه النسخة، عند حلول موعد تسديد الحقوق لنفس الكاتب، الذي غالبا لن يطالب بشيء، وإن طالب توجد عبارات مألوفة تردد مثل: لا يوجد بيع لكتابك، أو لا يوجد قراء، على المبدع أن يصدقها لأنه لا يملك سبيلا آخر غير التصديق.

*وأذكر أن ناشرا تعاملت معه، أرسل لي مرة كشف حساب بالناقص، أي أنني ليس فقط لم أبع شيئا، وإنما حتى الكتب التي بعتها تمت إعادتها للدار، وبالتالي أصبحت مطلوبا لها بمبلغ علي تسديده. وكانت تلك الرسالة صراحة قمة الفنتازيا النشرية، أن يعود القراء بالكتب بعد شرائها للمكتبات، وتعيدها المكتبات للناشر، ويطالب الناشر مؤلفيها بحقوقه بصرامة.

*أعود للجوائز التعويضية كما أسميها، الجوائز التي لو حصل عليها المبدع أو دخل قائمتها القصيرة بالتحديد، سيحصل على شيء، ولن يظل طوال العام بائسا، وحزينا وينتظر العطف من ناشر الكتاب.

*صحيح أن المبالغ في معظم الجوائز ليست ضخمة، ولا يمكن أن تغير وضعا ما، تغييرا كاملا إلا نادرا، لكن لا بأس، على الأقل قد تسدد بعض الديون، وقد تساعد المبدع في شراء رفوف أنيقة للكتب، وكرسي وطاولة للكتابة، وربما تحثه على قضاء إجازة هادئة قريبا من البحر، حيث يستنشق الهواء، ويفكر في نص جديد.

*لذلك لا نستغرب أبدا كمية الكتب التي تقدم للجوائز سنويا، فأي جائزة قديمة ومعروفة، أو جديدة، تجد مئات يقدمون لها مدفوعين بالأمل في الحصول على شيء، وقد تبدو الظاهرة ملائمة للكتاب الجدد، لكن أبدا، كل المبدعين صغارا وكبارا يحتاجون إلى الجائزة، أي يحتاجون إلى أمل بتقييم كتابتهم، وإدراجها في قائمة الجائزة. لذلك تجد التنافس في كل جائزة كثيرا، وضاريا، وجائزة مثل كتارا مثلا تعلن سنويا عن عدد الأعمال المشاركة الذي يفوق الألف عمل. ثم تأتي غربلة تلك الأعمال لنحصل في النهاية على أعمال حقيقية تستحق أن تنافس، وأخرى واهية أو ليست أعمالا على الإطلاق، إنما ترهات توهم أصحابها أنها إبداع بناء على نصائح أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي. وعبارات مثل: يا شفيف، ويا أنيق الحرف، ويا عبقري الكتابة الجديدة، التي نطالعها باستمرار عند زيارة تلك الأماكن، ولو أحصيت عدد الذين قيلت في حقهم، لما بقى في الوطن العربي شخص واحد غير رائع، وغير أنيق الحرف.

*المهم أن الجوائز في النهاية حوافز، وكانت هناك حوافز أخرى، مثل الترجمة للغات أخرى، التي يحصل بموجبها المؤلف المترجم نصه على حقوق جيدة، ويعثر كتابه على قارئ جديد وبعيد، ونسبة لتأثر اقتصادات العالم كما ذكرت بالحروب والأوبئة، والركود هنا وهناك، لم تعد ثمة حقوق مجدية.

*أرحب إذن بجائزة المبدع غسان كنفاني، الحافز الجديد للكتابة الجيدة، وأتمنى أن تستمر بنفس القوة والحماس، وأن نشارك فيها كلنا، إنها ليست جائزة للمبتدئين، ولكن للجميع.

نقلاً عن القدس العربي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: