في ٢٠/فبراير/١٩٨٩ تم تسليم مذكرة الجيش الشهيرة لرئيس الوزراء المنتخب السيد الصادق المهدي وفيها يشكو الجيش من ضعف ميزانيته وعدم توفير المعدات ومعينات الحرب له، رغم أن رئيس الوزراء فند ما جاء في مذكرة الجيش وأوضح أن الدعم الذي يوجه للجيش كان دعما يفوق بمراحل دعم النميري له، الا ان مذكرة الجيش أصبحت حصان طروادة للكيزلن الانقلابيين إذ استغلوها بطريقة سيئة جدا واوهموا الجماهير بأن الجيش منهزم وان قرنق على مشارف كوستي، الايهام الخاطيء للجماهير وتحشيدها وتعبئتها ضد الديمقراطية كان هو الهدف الاساسي، إذ لم يكن الهدف دعم الجيش ولا كان الهدف حماية السودان، فالخرطوم لم تدخلها قوات حركة مسلحة الا في عهد الكيزان، ولكنها كانت خطة الإسلاميين التي تستهدف إثارة البلبلة ودق إسفين بين الجيش والسلطة الديمقراطية وبث الشك في نفوس المواطنين في قدرة النظام الديمقراطي على حمايتهم من الأخطار، وهو ما نجح فيه الكيزان ومهد لهم الوضع بالكامل ليقوموا بانقلابهم الاسود .
ما حدث في في ١٩٨٩ يحدث اليوم بالكربون، الفرق الوحيد ان التهمة في ١٩٨٩ كانت ان الجيش ( مفلس ) و( عدمان التعريفة) بينما التهمة الآن هي ان الجيش ( غنيان) و( مليان شركات) !!! الاسلاميون الذين صفقوا وهيجوا الجماهير بمذكرة الجيش ( المفلس، الفقران) لينقلبوا على الديمقراطية، هم الأكثر استفادة من تهييج الجماهير اليوم بشركات الجيش ومعهم آخرون ، القضية ليست كما تظنها الكثير من الجماهير المغيبة، القضية ليست متعلقة بالمال وبما يملكه او ما لا يملكه الجيش، وإنما القضية الاساسية هي إثارة ( الجوطة ) واحداث الصدام بين الجيش والسلطة الحاكمة، من أجل إحداث الثغرات وتغيير مواقع اللاعبين.
ولاية وزارة المالية على المال العام هو مبدأ منصوص عليه في الوثيقة الدستورية، وبالتالي هو بند واجب النفاذ اجلا ام عاجلا، وتأخره لا يعني باي حال من الأحوال انه الكرت الرابح الذي سيغير حال البلد، هذه البلاد لن يتغير حالها بشركات الجيش، وإنما بإصلاح الأحزاب السياسية وإصلاح عقيدة الجيش، والاتفاق بين هاتين الجهتين على بناء البلاد بتجرد ونكران ذات، الذي يحدث الآن هو العكس تماما اذ لا تمر ساعة الا وتجد فيها ما يهز الثقة بين العسكر والمدنيين، وهو أسلوب خاطيء لا يشبه الفترة الانتقالية ولا مبادئها القائمة على الوحدة والعمل المشترك.
اذا تأخر ضم شركات الجيش ومؤسساته إلى ولاية المال العام الآن فهو لن يستمر إلى الابد، الملفات المؤجلة في هذه الحكومة متعددة، أين المجلس التشريعي؟ أين المفوضيات؟ أين السلام؟ بنود متعددة في الوثيقة الدستورية لم تكتمل بعد وبالتالي ليس هناك داع للتهييج الذي تمارسه بعض الجهات من أجل حشد الجماهير وزيادة الصدام بين الجيش والمدنيين وإدخال البلاد في المجهول.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.