يقضُم الأثيوبيون العام وراء العام الأفدنة خلف آلاف الأفدنة من الأراضي السودانية الخصبة، ومع ذلك فأنّهم لم يشبعوا حتى وصلوا للفدان المليون، وهاهم هذه الأيام “بِنهم”.. يضمون المزيد من أرض مزارعين سودانيين تتاخم أراضي سبق وأنّ استولوا عليها واغتصبوها فلم يعد الحديث عن أراضِ إثيوبية وسودانية بل تغوّل فوق تغوّل للمساحات السودانية إلى أنّ جرفوا الأرض وشرّدوا أهلها.
(1)
لكنّ للحقيقة فإنّ الذنب ليس ذنبهم، فقد وجدوا الحدود والأراضي لقمة سائغة، ساندهم في ذلك تراخٍ لحكومة العهد البائد، التي كانت حدود البلاد عندها المربع الذي يزجي فيه الرئيس المخلوع وقته، ويقضي فيه ليلته، في مناسبة اجتماعية أو مسامرة على أنغام هدى عربي، وتهيئة محمد لطيف، لم يكن لدى الحكومة المخلوعة أيّ إحساسٍ بتلك المنطقة، بل أنّ منسوبيها في ولاية القضارف ارتكبوا أكبر الأخطاء وأفدحها فيما عرف باتّفاقية “الحد الفاصل” حيث “شرعنت” للإثيوبيين التواجد في الأراضي السودانية في عهد والي القضارف وقتها عبد الرحمن الخضر بدعاوي الاستثمار، فإنساب الهواء الإثيوبي في أرضنا، وانسكب بهدوءٍ طوال خمسة أعوام، تمكّنوا فيها من صناعة عوالم في داخل حدودنا ثم خرقوا الاتّفاق توطئةً لغزوة جديدة وهو ما حدث ويحدث الآن.
(2)
في ظلّ إنشغال الذهن المركزي بمغانم السلطة والمقاعد، قطع الإثيوبيين أشواط مقدرة في الاستحواذ على منطقة الفشقة، ولم يجد سبيل المنافحة للمكونات الاجتماعية التي تقطن تلك المناطق، أو أصوات المزارعين من فتح آذان المسؤولين في الخرطوم، أو حتى فداحة المآسي التي تعرّضوا لها والجرائم الفظيعة التي ظلّ يرتكبها الإثيوبيين واستباحتهم للدمّ السوداني، وأيّ دمٍ إنّما هو دمّ الغلابة والمنتجين، وطوال متابعتنا لهذه القضية منذ تسعينات القرن الماضي من رواة، ومعايشة فعلية منذ عقد من الزمان، فإنّ أيّ محاولةٍ لصدّ الهجمات، أو إقتفاء أثر الجناة، أو حتى الحديث الإعلامي يتمّ صدّه من قبل مسؤولي الحكومة المركزية وعل رأسهم بالطبع عبد الرحيم محمد حسين وزير دفاع النظام المخلوع الذي استطال في موقعه كأنّما هو هدية الأحباش من السماء، كانت الإجابة القاصمة لظهور الضحايا “الأوامر في الحدود تأتي من المركز” حيث لم تأت، وظلّت الحدود عاريةً تمامًا من القوات المسلحة السودانية، وتركت لبعض مما يسمون بكتائب الدفاع الشعبي قليل الحيلة و”خشمو بليلة”.
(3)
أنّ الشهية المفتوحة لهتك المقدرات السودانية من قبل الأحباش، لم تترك أرضًا ولم تبقَ ظهرًا، وألتهم “السونامي” الأثيوبي قري ومدن عادت أثرًا بعد عين، وأختفت للأبد مئات “الجبروكات” مزارع صغيرة لصغار المزارعين والمزارعات، وتبعتها قرى سودانية قامت من تحت رماد ضحاياها مدن استيطانية مثل (قطر آن – سفاري- برخت)، تسخر من قدرة السودانيين على حماية أراضيهم، سرعان ما وجدت إهتماما من قبل الإثيوبيين في توصيل الخدمات ومدّ شبكة الطرق مثلما هو الحال في طريق يربط إقليمي “الأمهرا” و”تقراي” ويشق الأراضي السودانية عنوةً وإقتدارًا، فيما استحالت مدن سودانية ضاربة الجذور في العمل التجاري والاقتصادي الزراعي مثل “تاية” السودانية “وأم دبلو” لمدن إثيوبية وتمّ طرد المواطنين والمزارعين التجار في هجمات الإثيوبيين عليهم، يا للأسى.
(4)
إنّ التكلفة الفادحة لنظام “89” لا يمكنّ إحصائها بأرقام، إنّها كلفة وطن مسجي على التراب، وسيادة ممرغة أسفل أرجل الأحباش، لكنّ ربما حانت ساعة حسم تلك الفوضى الإثيوبية، وإسترجاع الأراضي السودانية من فكّ الاثيوبيين، الذين يعملون وفقًا لأسس عالية من الدّقة والتنظيم في الاستمتاع بمقدرات السودانيين، ويلتفون بحبال واهية من إدعاء التفاوض والجلوس لحلّ المشكلات، وهم في غرارة أنفسهم بل في حقيقة الأمر يلتهمون يوميًا الأراضي دون أنّ يطرف لهم جفن، أنّ الحديث عن أيّ محاولةٍ لتهدئة الأمر مرة أخرى ووضعه في أطر الحلّ الدبلوماسي ضرب من الوهم، وإستجداء “للعظمة من بيت الكلاب”، وما دامت الحكومة المركزية في إثيوبيا تنفي صلتها بتلك المجموعات، فعلى السودانيين أنّ يتعاملوا معها كعصاباتٍ فعلاً كما يسمونها، ويطردونها من أرض السودان، حيث إرادة الثورة وقرارها بأنّه لارجعة من استعادة السيادة، ويسلّمون السودان وإثيوبيا أيضًا من شرورها .. وفي ذلك لا تمنعهم “قريش ولا كلاب”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.