باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

مصطفى أبو نورة : بساطة معقدة

652

هي خميرة قديمة تُدس في طرف الأيام المهمل، كمن يدفن ما بحوزته من مال تحت السحابة، المعلم الوحيد ربما يرحل، والذي يبقى هو الأمل. ها نحن نعود في دجنة الليل لا نستدل بالسحاب إنما بالأمل الذي يشغل جيوبنا وحسن ظننا بالأيام.
لا تفتخر بأي شي، فكل فخر دليل نقص يكمله افتخارك، الحياة تمضي بسرعة نحو حتفنا، إنها لا تنتظر إمهالك أن تقرأ ما كتبته فسيف الزمن مقابل كل السيوف، للسيوف رهبة وجمال في آن.. أشد ما تأسرك عبارة تغمد فلان بالرحمة والمغفرة، تشابه تماماً غفوة السيوف الأبدية في الأغماد، لا أعلم كيف يفسرها العُرباء للفقيدات من النساء، أهن سيوف أيضاً.
هل تظنني نسيت العنوان! لا فالخميرة التي بدأت بها ستتغلغل في الحياة التي تليها، لتُهضم في ركن قصي بصفحة تاريخ ما، تاريخ غير مسمى ولا ممجد. تاريخ ينتظر من يحفل به قضمة تلو أخرى.
لزمن طويل جداً أبحث عن وقت ماهل أُخمر فيه مقالاً عن الجضوم، قلت لنفسي لِم لَم تكتب عن الجضوم يا مصطفى فهي حفية أن يُكتب عنها في ظل هذه الانصرافية التي يعيشها العالم.
كل هذه الانصرافية أو ما تراه كذلك رُبما يكون غير ذلك، كله مدبر، كل ما تراه عينك من فوضى وعشوائية وظُلم وجَور وعدل وحياة وفناء هو تمام الترتيب، الدول العظمى تدهس بالترتيب وصولاً إلى آخر دويلة تأكل بعضها، تراتبية تجنن، ترتيب يحير ولكنه لا يغير اتجاه الزول.
الزول داك جاضم ياخ.
لا يضير فلان أن يكون في نظرهم جاضماً فذلك لا يزيد من قدره شيء ولا يحط أبداً. فانشغال الإنسان بقضم العلوم على شاكلة العونكوليب أمراً في غاية التعجب، لو استوعبناه إلا من باب إشباع النهم. وهضمه عكس اتجاه الجاذبية المعوية، اتجاه نحو الأعلى.. نحو الدماغ يا صاحبي. الأدمغة التي تعقل أمور أنفسنا وترتبها تمام الترتيب والاصطفاف، اصطفافاً كأسنانٍ مرصوصة غير مزحومة بقضم أو جُضم.
جُضم مُفردة سودانية ، تقف في ناحية مقابلة لاهتماماتنا كمجتمع لا يهتم بالأكل عموماً.
– لا نحب (الطقة) على عكس المجتمعات الأُخرى فالفرد منهم بإمكانه أن يقوم بصحن مدفوس من الأرز لوحده ونحن أربعة نجتمع على واحد بقدرة قادر.
يكفي أن نقف جميعاً بكاميراتنا مقابل أحدنا وهو يأكل، ففي تمام لحظة انحشار اللقمة ما بين الفك ناحية الاضراس وكساء الوجه. والطعام في وضعية المرأة الحبلى في شهرها التاسع تُفلّش الكاميرا المشهد وتدون الصورة بعبارة جُضم، هي محض قضمة برزت إلى هذا التعبير المرسوم والناتئ.
دعونا نطرب لعبد الرحمن عبد الله في ضابط السجن:
يشلع نور بسيمتو.. ده ينير (الوجن)
ما أحلى دوام فريحو.. ده ما فيهو ظن
تحكي حنين مغرد.. بلبل ساب عشيشو
راح ولهان يردد.. شوق الطير لي ريشو
شوق للنادي (خدو).. للبجرح رميشو

التعليقات مغلقة.

error: