تسنيم عبد السيد: ” العصفورة” الـ” فضت الإعتصام”
*قبل نحو عامين إنشغل العالم بحدث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، تعددت لجان التحقيق دون الوصول لنتائج مقبولة ومقنعة، فقال أحدهم متهكما ” في كل جرائم الإغتيال في العالم توجد الجثة والقاتل مجهول، إلا في جرائم الإغتيال السعودية لا توجد جثة والدنيا كلها تعرف القاتل”. ثمة تشابه بين قتل خاشقجي وفض إعتصام القيادة العامة يونيو الماضي، ففي كلتا الجريمتين القاتل والمُذنب معلوم لكن لا أحد إستطاع أن يُشير إليه بأصابع الإتهام ولا لجان التحقيق التي تم تكوينها إستطاعت أن تؤكد ذلك أو تُثبت غيره.
*تابعت قبل أيام حديث لوالدة الشهيد عبد السلام كشة وهي تتحدث بأسى عن التماطل في محاسبة المتورطين في فض الإعتصام، وقالت بأن القوات المُمثلة في المجلس السيادي متورطة بصورة مباشرة في فض الإعتصام وأنهم دونوا ذلك ببلاغات رسمية لكن دون جدوى.
*وبما أن هنالك قوات نظامية قد شاركت في فض الإعتصام بحسب والدة كشة فإن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مسؤول، وكذلك قوى الحرية والتغيير وحكومتهم، لأنه مهما يكن من أمر لجان التحقيق التي تشكلها الحكومة بوصفها الحالي فلا يرجى منها أن تحاكم أحد قادتها أو ترفع عنه حصانته ليحاسب على جرائمة.
*جريمة فض الإعتصام لا تُغتفر ولن تُنسى، وذوي الشهداء لن يصمتوا والثوار لن يتركوا دماء رفاقهم تذهب هدرًا، فلا بد من إعطاء هذا الأمر أولوية من قبل الحكومة والسعي لإرضاء ذوي الشهداء والمصابين والمفقودين، فيكفيهم عناء الفقد فلا تجعلوهم يشعروا بأنهم فقدوا فلذات أكبادهم هكذا بدمٍ بادرد.
*أتعجب لأمر قادة هذه الحكومة كيف لهم الصعود فوق كل تلك الدماء التي زهقت ليعتلو سُدة الحكم، دون أن يشيروا بأصابع الإتهام لأولئك الذين إستباحوا القيادة العامة وسط الخرطوم ولم يتركوا ذنباً إلا إقترفوه، أعجزت أجهزتنا العدلية في معرفة من أولئك الأفراد ومن أين أتوا ومن الذي أمرهم، لكنها والحمد الله قد تعرفت على من إعتدى على الشهيد أحمد الخير وأوشكت على إصدار حكمها النهائي، فهل قضية فض الإعتصام مُعقدة وشائكة إلى هذا الحد، رغم أن القاصي والداني في السوداني يعرف ” العصفورة” التي فضت الإعتصام.
*أخشى أن تنخفض جذوة الثورة في قادة حكومتنا، وترخص الدماء في كامل التصالح مع القتلة والمذنبين، إحدى وزيرات هذه الحكومة الإنتقالية، كانت قد كتبت في صفحتها الرسمية ب” فيسبوك” إبان فض الإعتصام وقبل توزيرها بأن المسؤول من فض الإعتصام هم قادة المجلس العسكري وحددتهم بالأسماء وقالت بأن هؤلاء مجرمين يجب محاكمتهم، وللأسف وافقت أن تصبح وزيرة بحكومة بها ذات القتلة والمجرمين، مثل هذه المواقف تجعلني أتشكك في تلك المشاعر والتعاطف الذي بذلناه مع شهداء فض الإعتصام وغيرهم وحرصنا الكبير على أن يُقتص لهم، فهل نلوم تلك الوزيرة وغيرها أنهم قبلوا المناصب وتركوا القضية أو على الأقل ارجأوها أم أن المواقع حتمت عليهم التعامل بشكل شامل وفي قضايا أكبر وأعمق؟!، مهما يكن من أمر فعلى الحكومة أن تحسم هذا الملف بأعجل مايكون ولا أعتقد أنه يستحق تلك ” الجرجرة” إلى إذا كان في الأمر ” أمر”.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.