عبد الحميد عوض: تناقضات الجميعابي
أجندة
*كثيرٌ من كوادر حزب المؤتمر الوطني، أجرت في وقت مبكر، نقداً ذاتياً لتجربة الحزب في الحكم، ولمشاركتها الشخصية في تلك التجربة، ووصلت لنتائج وخُلاصات انزوت بموجبها بعيداً عن التنظيم، وباتت أقرب للمعارضة، ومن ذلك الفصيل، تبرز العديد من الأسماء، مثل دكتور عبد الوهاب الأفندي وبروف حسن مكي ودكتور التجاني عبد القادر وبروف الطيب زين العابدين.
قيادي آخر، انضم ما بعد مفاصلة 99، لتلك الزمرة، هو معتمد أم درمان الأسبق، الدكتور محمد محيي الدين الجميعابي، الذي تشهد له المنابر السياسية والإعلامية بالجرأة والشجاعة في المراجعات وقول كلمة الحق، وبذل كثيراً من الاعترافات حول التجربة وإخفاقاتها.
*الجميعابي، استدعته أمس الأول، لجنة التحقيق حول جريمة انقلاب يونيو 89، وحقَّقت معه لساعات محدودة، حول صلته بالانقلاب، فنفى تورطه، مؤكداً أنه لم يكن في السودان ليلة التنفيذ الكبرى. ويبدو أن اللجنة اقتنعت بذلك، فأطلقت سراحه بالضمان العادي، ولم تودعه سجن كوبر برفقة البشير، وعلي الحاج ويوسف عبد الفتاح والبقية.
* إجراء طبيعي وقانوني، وجاء التعامل مع المشتبه فيه، في غاية الاحترام والرقي، وتلك ليست شهادتنا ولا شهادة أعضاء لجنة التحقيق، بل شهادة الجميعابي نفسه، حسب ما جاء في حواره مع الزميل فتح الرحمن شبارقة أمس، وما لم يقله الرجل أن مثل هذا التعامل افتقده الناس في سنوات الإنقاذ، حيث يقضي المتهمون مدداً طويلة في بيوت الأشباح، وما لم يقله أيضاً أن ذلك التعامل والرقي لم يسلكه شخصياً وهو في منصب معتمد أم درمان، وأذكر تماماً كيف تعاملت سلطاته في العام 1999 مع احتفال سنوي يقيمه الاتحاديون بمناسبة الاستقلال في منزل الزعيم الأزهري.
* في تقييم الجميعابي، لموضوع الإجراءات ضد مدبري انقلاب 89، ظهر شيء من الروح “الكيزانية”، حيث تساءل بقوله: “ما الذي يستفيده الشعب السوداني من محاكمة ناس في قضية حدثت قبل 30 عاماً، في ظل تحديات توفير الخبز والمواصلات والاهتمام بقضايا المواطن؟”؛ فتجاهل الرجل في تلك الإجابة حقيقة أن كل تلك الأزمات سببها الرئيس هو الانقلاب نفسه، والذي ولد سلسلة من الجرائم التي ألقت بظلالها على كل شيء منذ 30 يونيو 89 وحتى تاريخ اليوم، ثم سؤال أهم للدكتور الجميعابي: هل تلاشت التحديات الاقتصادية في أيام كان نظام الحركة الإسلامية ينصب فيها المشانق ويفتح السجون والمعتقلات لمن يخالفه الرأي؟
*الجميعابي قدم أيضاً تفسيراً للإجراءات الحالية بأن (الجماعة قاصدننا عديل على المستوى الشخصي، وما بخلونا)، وهو قول يتناقض تماماً مع قوله الأول عن الاحترام والرقي الذي وجده أثناء التحري معه، ويتناقض كذلك مع عملية إطلاق سراحه، لأنه ببساطة لو أن الاستهداف شخصي ما كان حدث له كل ذلك، ولكان كل قيادات المؤتمر الوطني خلف القضبان، وهو أسهل شيء يمكن أن تقوم به الشرعية الثورية، لكن ثورة ديسمبر المجيدة اختطت طريق القانون وحده لتحقيق العدالة، وهو أمر يجب أن يكون محل ترحيب واعتراف من الجميعابي الذي لا تنقصه شجاعة فعل ذلك.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.