عوض الحسن النور: حول مشروع قانون مفوضية إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2019 بين النقد والهدم والبناء
حدثني من أثق به من حملة هم الإصلاح القضائي والقانوني بان ما انتشر بين مجموعات القانونيين بوسائل التواصل الاجتماعي من مشروع قانون إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2019 ودافع عنه بأنه صحيح وانه يقوم على نصوص صريحة في الوثيقة الدستورية بان يتم الإصلاح وإعادة البناء بواسطة مفوضية . وان هذه المسودة عرضة للحذف والإضافة والتعديل والحق مكفول للجميع .
تمهيد : وأبدا بالقول بأن أملا كان قد لاح في الأفق بعد تعيين الأخت القاضية نعمات والأستاذ الحبر نائبا عاما رغم ما شاب إجراءات تعيينهما من تعديل لم يتم وفقا للوثيقة الدستورية وخاصة لدعمهما وإصرارهما على سيادة حكم القانون كمبدأ عالمي ودستوري ، إلا أن قراءة أولية وغير عميقة لمواقف وقرارات صدرت في القضاء مثاله عدم اجتماع السيدة رئيس القضاء مع زملائها قضاة المحكمة العليا فرئيس القضاء بموجب القانون هو قاض بالمحكمة العليا منذ التعيين وحتى الآن ، كما صدرت قرارات من السيد وزير العدل وخاصة القرارين الخاصين بتعيين ونقل قيادات وزارة العدل ، وإلحاق من كان يشغل تلك الوظائف إلى رئاسة وزارة العدل دون أعباء فلعب الفأر في العب مثلا ( وقد علقت ب : السيد وزير العدل جمع عشرات من قادة وخبراء وزارة العدل برئاسة الوزارة . يا رب لماذا ؟ هل نقل ولا يقعدوا ساكت بدون شغل ويستقيلوا بسياسة إنهاك العدو ولا ما عارف كيف يقيلهم ؟ !!!) وخمنت وغيري في أن أمرا جللا قادم وسيحل بهذه الأجهزة العدلية القائمة خاصة وأولا على منسوبيها قبل مؤسساتها .
فإذا بي بعد صلاة الصبح أجد في الواتس الخبر اليقين والمشروع .
إن الأجهزة العدلية في السودان ورغم الإرث التاريخي الكبير إلا أنها امتنعت عن التطور إلى أن وصفت بالمتخلفة وخاصة فيما يتعلق بالجودة وقد قلت ذلك في منشور وزير العدل رقم 2 لسنة 2017 بشأن مبادئ وسلوك المستشارين القانونيين المهني : إن تحقيق الجودة في أي مؤسسة يستند على معايير تنظيمية ونظم أخلاقية تشكل ركيزة أساسية في تعزيز الثقة بين المتعاملين داخل وخارج المؤسسة من جهة وبين المؤسسة وشركائها من جهة أخرى ، والذي بدوره ينعكس إيجابا على أمن ونمو المجتمع …. ) فأجهزتنا العدلية تفتقد المعايير التنظيمية والنظم الأخلاقية ولا نود الإشارة إلى المحاولات التي بذلت فمن شخصي الضعيف مثلا يمكن الرجوع إلى كافة المقالات والكتب المتاحة والمشروعات المودعة في إدارة التشريع بوزارة العدل ومن شارك من أهل القانون في قوى الحرية والتغيير ممن شارك في عمل اللجان إن رغب أهل السلطة ومشرعيها في ذلك . فهذا المشروع المقدم جهد بشري والكمال لله وأرجو أن أوفق في الحديث عن رؤى الإصلاح في كل جهاز عدلي على حده كمؤسسة ودور الدولة في الإصلاح العدلي في مقالات قادمة إنشاء الله .
أولا : إن القانون ليس هو ما يصدره المشرع ، إنما القانون في واقع الأمر هو ما يطبقه القضاء . وليس في هذا القول مغالاة ، ذلك أن المشرع حين يصدر القانون فإنه يقول كلمته في لحظة زمنية معينة ثم يمضي وتنقطع صلته بعد ذلك بهذا القانون . أما القضاء فهو الذي يعكف على تطبيق هذا القانون عقودا قد تمتد قرنا أو أكثر مثلا قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925 أي والله 1925 وسار حتى الآن . كما هو الحال بالتقنينات الأساسية أيضا . والقانون أعني التشريع هو مجموعة نصوص منشورة في الجريدة الرسمية ويظل فيها جثة هامدة ، حتى إذا تناوله القضاء بالتطبيق دبت فيه الحياة . وقلما يشعر الناس بالقانون ساعة صدوره ، لكنهم يحسون به فقط عند تطبيقه . ولكي يطبق القاضي القانون يجب أن يفهمه ولكي يفهمه يجب أن يفسره ، وهو إذ يفسره فإنه يوضح ما استبهم من ألفاظه وما غمض من أحكامه ويكمل ما اقتضب من نصوصه ويوفق بين ما تناقض من أجزائه ويزيل ما قد يبدو من تعارض بين نصوصه ونصوص أخرى . وما يفسره القاضي على هذا النحو وليس ما يصدره المشرع هو القانون الذي يعرفه الناس وينزلون على أحكامه وقد عبر عن هذا المعنى أو قريب منه هولمز أحد كبار القضاة الأمريكيين بقوله : ( إن كل سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية تخضع للدستور . ولكن الدستور هو ما نقوله نحن وذلك في إشارة واضحة إلى قضاة المحكمة العليا فهم بالفعل يفرضون رأيهم في تفسير الدستور على السلطات بما فيها السلطة التشريعية .) وهذا ما يجب على أهل القانون الإطلاع عليه في الصراع الكبير بين البرلمان كصوت للشعب منتخب وكيف تمنح المحكمة الدستورية أو العليا الحق في تفسيره والحكم بعدم الدستورية ؟
وكما هو معلوم للكافة فإن القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة ومجردة ، وأذكر وبعد تعديل دستور السودان الانتقالي وفصل منصب النائب العام عن وزير العدل وتقديم وزارة العدل للسيد الرئيس السابق مشروعات قوانين أهمها قانون النيابة العامة والإجراءات وتدخل بعض النافذين لوقف ذلك الأمر كتب وزير العدل خطابا للسيد الرئيس بعد تعيينه النائب العام وقبل صدور قانون النيابة العامة والذي يحدد شروط تعيين النائب العام . أورد منه:
(…. ثانيا : لم يصدر قانون يحدد مهام النيابة العامة وسلطاتها واختصاصاتها ، كما لم يصدر قانون يحدد شروط خدمة النائب العام ووكلاء النيابة وليس في قانون تنظيم وزارة العدل ذكر لوكلاء النيابة بل مستشارون قانونيون تابعون لوزير العدل كما انه ليس في القانون نص على النائب العام وليس هو بتابع لوزارة العدل حتى يمكن القول بان النص الانتقالي الوارد في المادة ٢٢٦ /٥ من دستور السودان الانتقالي لسنة ٢٠٠٥ بان القوانين السارية نافذة ، بل عجز هذه المادة تقول : ما لم يتخذ إجراء آخر وفق هذا الدستور ، بما يمنع تطبيق القوانين السارية في حال الدستور الذي أنشأ كيانا جديدا كما في حالتنا هذه .
فتعيين الشخص قبل صدور القانون يعني انه ليس للمجلس الوطني إلا أن يفصل الشروط على الشخص المعين أو يضع شروطا للتعيين تخالف ما توخاه السيد رئيس الجمهورية وتتضارب الرؤى فلا يوقع السيد الرئيس أو يعاد القانون بملاحظات أو يفقد المنصب الشخص المناسب وتطول فترة التقاضي دون البت في القضايا التي يختص بها النائب العام مما يفقد القاعدة القانونية الخاصية الهامة وهي أن القاعدة القانونية يجب أن تكون قاعدة عامة ومجردة ، ويقصد بالعمومية والتجريد في القواعد القانونية بأنها موجهة إلى كافة الأشخاص في المجتمع ، فهي لا تخاطب أناساً بعينهم ولا واقعة بعينها، بل الخطاب فيها موجه للأشخاص بصفاتهم وللوقائع بصفاتها، فالقاعدة القانونية تطبق على كل من توافرت فيه شروط تطبيقها ما لم يكن مستثنىً بموجب القاعدة ذاتها .
وكل فرد أو واقعة استجمعت المواصفات اللازمة تطبق عليها القاعدة. أما التجريد فيقتضي أن تصدر القاعدة في صيغ مجردة لا تتعلق بشخص بعينه ولا واقعة بذاتها، ولذلك فالقاعدة القانونية لا ينتهي دورها بتنفيذها مرة واحدة بل تجري كلما وجدت الشروط والمواصفات .)
فمشروع قانون مفوضية إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2019 أنشا مفوضية سماها مفوضية إعادة بناء المنظومة الحقوقية والعدلية وفسر المنظومة بالسلطة القضائية ، المحكمة الدستورية ، النيابة العامة ، وزارة العدل ، مهنة المحاماة ، وكليات القانون ويبدو أن المشروع قد نسي أهم المنظومات معهد العلوم القضائية والقانونية …..وأعطى مشروع القانون سلطات واختصاصات تفسر على هدم هذه المنظومة وإعادة بنائها وفقا لقانون وليس الدستور ، ومن أهم الاختصاصات تفكيك بنية التمكين الذي جاء به حكم الثلاثين من يونيو 1989 وبناء دولة المؤسسات والفقرة ح الخطيرة تعيين وإعادة تعيين وإعفاء القضاة وأعضاء النيابة والمستشارين القانونيين في كل الدرجات وترتيب وإعادة الأقدميات والدرجات ……
والمدهش أن مشروع القانون في المادة 6 أعتبر أن قرارات المفوضية نهائية وملزمة للكافة وعلى الجهات المختصة تنفيذها .
كم أن الغريب في مشروع هذا القانون في المادة 3 …. ينتهي اجل المفوضية بانجاز مهامها أو بانقضاء الفترة الانتقالية أيهما كان أقرب وتؤؤل صلاحياتها ومهامها وصلاحيتها للأجهزة العدلية .
فأول الملاحظات أن هذا المشروع ليس بمشروع قانون فليست قواعده عامة ولا مجردة بل يقصد منه إعطاء الشرعية للقادة الجدد لعزل وخفض بل ومنذ هذا اليوم فعلينا دفن هذه الأجهزة وعلى المتقاضين وأهل القضايا الانتظار ( وترك الأمر لله أصلا كان منتظر سنين قضيته تحل وكان الأمر قريب ) في ولادة أجهزة عدلية جديدة وبناء دولة القانون المسودة ذاتها تفصح عن أن هذا الأمر قد يستغرق الفترة الانتقالية بكاملها . كما انه مشروع قانون مؤقت والأخطر لن يعرض للسلطة القضائية لتفسيره فقرارات المفوضية قرارات إدارية نهائية !!!!
وطبعا لن يطمئن أحد إلى استقلال هذه الأجهزة في فترة الهدم ولحين البناء فكما تعلمون رئيس وأعضاء المجلس السيادي ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء وقادة قحت وأوجه الحديث للعراب السيد الصادق المهدي صاحب الخبرة والقارئ بأن لاستقلال القضاء أركان أهمها فصل السلطات بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية وثانيها عدم العزل ويكون مطمئنا مستقلا متجردا ومحايدا شجاعا وبعرض هذا المشروع فقد بدا الخوف من العزل وغيره قد دب الآن ومن قبل لمن نقل لرئاسة الوزارة أو المحكمة العليا في كل أعضاء الأجهزة العدلية من قضاة ومستشارين بل ومحامين أيضا رغم أنها المهنة الحرة وقادة السياسة في العالم بل أخاف ورغم ثقتي في منسوبي هذه الأجهزة تآمر بعض ضعاف النفوس وقبل صدور هذا القانون وتغلغل الفساد في نفوس الضعاف من أهل القانون والسلطة في بيع صكوك الغفران والترغيب والتهديد لما لا يرضي الضمير .
في تقديري إن هذا المشروع يصلح أن يكون مشروع قرار يصدر من المجلس السيادي لعمل مؤتمر حول تطوير وبناء المنظومة الحقوقية والعدلية وما ورد أجندة لهذا المؤتمر وإشراك أهل القانون من قادة قحت والعالم .
هذه أولى ملاحظاتي فهل يتوافق هذا المشروع مع الوثيقة الدستورية 2019 ؟ وهذا عنوان مقالي القادم بإذن الله .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.