باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

د.مزمل أبو القاسم: دولار الجمارك.. أصل العلَّة

للعطر افتضاح

1٬882

* الاقتصاد تحركه المبادرات التي تشجع الإنتاج، والتجارة تخنقها الكوابح والقيود، سيما عندما تصدر من أفندية لم يتعودوا على إدارة المال، إلا بالقدر الذي يمكنهم من إنفاق مرتباتهم، إن استطاعوا تدبيرها حتى آخر الشهر.
* اجتهد كثيرون قبلي في محاولة تحديد النقطة التي بدأت فيها قاطرة الاقتصاد في التدحرج إلى الخلف، فربطها البعض بفشل الدولة في مكافحة الفساد، وعلق آخرون جرسها على رقبة انفصال الجنوب، وضياع غالب موارد الدولة من العملات الأجنبية، تبعاً لاختفاء عوائد تصدير النفط من الميزانية، ولام رهط منهم البنك المركزي على سوء تدبيره، وخطل سياساته النقدية، وربط قوم آخرون الأزمة الاقتصادية بالسياسية، وزعموا أنها تمثل عرضاً لمرضٍ يتصل بانخفاض سقف الحريات، واتصال الدولة بالحزب، بذات الطريقة التي تلتحم بها التوائم السيامية.
* قد يكون غالب ما قيل صحيحاً، لكن نقطة التراجع ترتبط في رأينا بقرارٍ مؤثرٍ اتخذ بلا تبصر، وقضى بمضاعفة قيمة الدولار الجمركي ثلاث مرات بلا سابق إنذار.
* من لحظتها اختلت كل معادلات الاقتصاد والتجارة في بلادنا، واضطربت الأسواق، وتضاعفت الأسعار فيها بما يشبه المتوالية الهندسية، وظهرت علامات الهزال على العملة الوطنية، وسيطر القلق، بل الهلع على عملاء البنوك، من فقدان مدخراتهم وأرصدتهم لقيمتها، فأقدموا على سحبها من المصارف زرافاتٍ ووحداناً، وتوقفوا عن توريد أموالهم إليها، حتى خلت خزائنها من أوراق البنكنوت، وعجزت عن تلبية طلباتهم من النقد، وفشل البنك المركزي في مواكبة حركة السحب الكثيفة، لتظهر الأزمة التي سميت اصطلاحاً (بشح السيولة)، وتتفاقم تباعاً مع مرور الأيام.
* بتوقيع وزير المالية الأسبق اللواء د. الركابي على ذلك القرار العجول سقطت أولى قطع (الضمنة) في أسواقنا، وابتدأ مسلسل التراجع الاقتصادي، بتفشي الغلاء في الأسواق، وخروج البنوك عن نطاق الخدمة، وظهور آفة السعرين (الكاش والشيك)، وتوالي طيران الدولار الحار، وتضخم حجم الدعم الذي تقدمه الحكومة للدقيق والوقود، ليتسع به فتقها على الراتق.
* لكل ذلك استقبلنا قرار تخفيض قيمة الدولار الجمركي من (18) إلى (15) جنيهاً بالاحتفاء الذي يستحقه، لأن من أصدره تلمس أصل العِلَّة، ووضع به مشرطه في مكمن الداء.
* البداية بالموانئ.. عبر إقالة مديرها الجديد، وتخفيض قيمة دولارها الجمركي، وتجميد عقد الشركة الفلبينية إلى حين إخضاعه إلى المزيد من الفحص والدراسة والتقصي تؤكد أن رئيس الوزراء الجديد بدأ عمله بالنهج الصحيح، ومن حيث ينبغي له أن يبدأ مسيرة إصلاح حال الاقتصاد المنهار.
* على دربه سار البنك المركزي، بإعلانه تحرير المصارف من قيود منع العقارات والسيارات، لأن الحظر الأرعن حرم البنوك من موردٍ مهمٍ للدخل، ولم يحقق مقصده الرامي إلى إجبارها على تمويل القطاعات المنتجة، إذ كيف لمفلسٍ تتآكل أرصدته ورؤوس أمواله بفعل التضخم، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وخلو الخزائن من النقد، أن يعين غيره، بعد أن استحق الإعانة من الغير؟
* ظهر أثر تخفيض قيمة الدولار الجمركي من فوره، بتوقف أسعار الدولار عن الصعود في الأسواق الموازية، واتجاه مؤشراتها إلى الانخفاض بعد ساعات من اللحظة التي وضع فيها أيلا توقيعه على القرار، ونتوقع أن يتوالى الانخفاض، تبعاً لاستمرار البنك المركزي في رفد البنوك بالبنكنوت.
* بدأ الانهيار بقرار الركابي، ونتوقع أن يبدأ التعافي بقرار أيلا، الذي يحتاج بالقطع إلى الدعم والسند بتدابير أخرى، يتم اتخاذها بذات الرؤية الصحيحة لمكامن العلل في الاقتصاد، الذي فعل بالإنقاذ ما لم تفعله بها تاتشرات ودوشكات التمرد في دارفور والمنطقتين.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: