مدخل:
المشهدُ المُثير للرُّعب، سكان هندوراس ينتظمون في مسيرة جماعيَّة تجاه الحدود مع الجارة غواتيمالا، أملاً في الوصول إلى الولايات المتحدة، هروباً من الفقر والضنك، بحثاً عن حياةٍ أفضل هناك.
شعبٌ كاملٌ يترك وطنه لحاكميه ويُغادر!
-1-
هنا، لم تعد الكلماتُ تفي لعرض ما وصلت إليه الأوضاع. ماذا يعني أن نكتبَ عن معاناة يعيشها الناس في كُلِّ ضروب حياتهم، ويتنفَّسون لهيبها صباح مساء؟!!
ماذا يعني أن تتحدَّث لمريض عن مرضه، وتحكي له عن أوجاع هو يُكابدها ويشقى بها؟
الكلماتُ لا تُجدي، والشكوى لا تشفي، فالشَّقاء يمتدُّ على مسام اليوم، وأقراص الوعود الرسمية لا تذوب في كؤوس السَّراب.
الوقت لا يكفي لإنجاز المهام اليومية.
صفوف الخبز لا تنتهي، إلا لتنتظم من جديد.
الخبز يصغُر يوماً بعد يوم، ويصعب الوصول إليه ساعةً بعد ساعة.
صفوف السيارات على مدِّ البصر، البُؤس يُخيِّم على رؤوس الواقفين والجالسين أمام الصرافات الآليّة، ينتظرون حفنة من أموالهم المحجوزة، بلا وعدٍ قريب.
أمرُ العِبَادِ أصبح في ضيقٍ بائن، وفي كُلِّ المجالس لا تسمع سوى الشكوى، وهسيس الخوف من الغد.
-2-
في كُلِّ مرَّةٍ يقفز سعر الدولار وتنخفض قيمة الجنيه، بوتيرةٍ تُسابق الريح وتُخالف منطق الأشياء.
في كُلِّ يومٍ تنخفض قيمة الجنيه في الجيوب، ويصعد الدولار على الجراح.
الوضع الاقتصادي يمضي مُسرعاً من سيِّئٍ إلى أسوأ، والدولار في صعودٍ وأقدارُنا في هبوط.
ماذا يعني أن يعتذر رئيس الوزراء اليوم، عن أزمة ستتكرَّر غداً وبعده؟!
-3-
في صفوف الخبز نُسأَل: يا أستاذ المسؤولين ديل ما شايفين الحال الوصلنا ليه ده؟!!
من أين يحصل المسؤولون على خبزهم؟.. وفي أيِّ محطات الوقود يروون ظمأ سياراتهم الفارهة؟!
من أين تأتي أدوية مرضاهم؟.. في أي البنوك يضعون أموالهم؟ لماذا لا نجدهم بيننا في الصرافات؟!
هل هم معنا في هذا الوطن تُظِلُّنا سماءٌ واحدةٌ وتحملُنا ذاتُ الأرض ونتنفَّسُ ذات الأوكسجين؟!!
السُّؤال الذي يُواجهنا في كُلِّ مكان: هل ما يحدُث أمرٌ طارئ وزائل، أم هو همٌّ وعذابٌ مُقيمٌ ومُتعاظم؟!
للأسف، لا نملك لهم إجابةً ولا لأنفسنا.
الكارثة أن يكون أولياء أمرنا كذلك لا يمتلكون الإجابة، ولا يعرفون بوابة الخروج، ويجهلون الطريق إلى منافذ الطوارئ!
الجميع يبحثون عن جرعةِ أملٍ مُضادَّةٍ لحالة اليأس والإحباط، حتى يُصبح لحياتهم معنى، ولوطنهم قيمة، ولأنينهم أذْنٌ تسمع، ويدٌ تمتدُّ لمُستصرِخهم من بين الموج.
-4-
مع كُلِّ هذه المُعطيات بكُلِّ خطورتها، لا تجدُ خطاباً حكومياً يشرح ويُفسِّر ويحْمي شمعة الأمل والرجاء من الانطفاء.
هذه الحالة تُشعِرُ المُواطنين بواحد من اثنين:
إما أن الحكومة في حالة عجزٍ تامٍّ ولا تملك حلولاً.
أو أنها ضعيفة الإحساس بكُلِّ هذه المواجع التي تجعل من العيش والحياة الطبيعية أمراً عسيراً وبالغَ المشقَّة.
الصمتُ والامتناعُ عن توفير إجاباتٍ يُفاقم حالة الهلع، ويجعل الناس يتعاملون بصورة هستيريَّة تُنتِجُ أزماتٍ إضافيةً يصعب تجاوزها بعد توفير الخبز والوقود والدواء والاحتياجات الضرورية.
مع ثورة المعلومات والفضاءات المفتوحة، لم يعد الصمت هو المُعادل الموضوعيُّ لمعدن الذهب.
-5-
التغريد وحده لا يكفي. لا بدَّ من الحوار، لوضع النقاط على الحروف والمِلْح على الجراح، وتحديد المسؤوليات.
لماذا لم يستطع السيد معتز موسى أن يُنجز ما وعد به إلى الآن:
الوقود على الأوراق يكفي لنهاية العام، ولكنَّه غير موجودٍ في المحطَّات بما يكفي الصفوف الطِّوال!
الدَّقيق تدفع له الحكومة 35 مليار جنيه، وتحرسه بثلاثة آلاف جندي، ومع ذلك لا يصل المخابز!
الحكومة قالت إنها أطلقت سراح السيولة النقدية للبنوك والصرافات، ومع ذلك فالأزمة قائمة!
هل اختلفت حسابات البيدر والحقل؟ هل وجد معتز نفسَه وحيداً بلا مُعين ولا نصير؟ هل هناك من يسعى لإفشاله بوضع العصيِّ في الدواليب؟!!
الأزمة مكانا وين؟!!
-أخيراً-
رغم ثقتنا في معتز، وإيماننا الصَّميم بمقدراته وصدقه، نخشى على حكومته أن يُصيبها الداء القديم:
ضعف الفاعلية وبطء اتِّخاذ القرار، والتَّراخي في مُعالجة المُشكلات، إلى أن تتحوَّل إلى أزمات، وعدم احتواء الأزمات إلى أن تُصبح كوارث، فينتهي الوضع إلى مأساة .
التعليقات مغلقة.