أي نوعٍ من الإفادات الغريبة والمتناقضة مع بعضها، خرجت من تلك الندوة الدينية؟
الخبر المنشور أمس، يؤكد أن شباب السودان في وادٍ، وشيوخه ومن يَدعون أنهم علماؤه في وادٍ آخر.
لنمسك الجزء الأول الذي يقول “اتهم علماء دين جهات خارجية ـ لم يسموها ـ بدعم الشباب بالمال والفكر لتغيير أفكارهم الدينية، مؤكدين في ندوة عنوانها (إعداد الشباب الرسالي) أن جميع المنخرطين في المجموعات الإسلامية المتطرفة من خارج البلاد”.
إن كان أولئك الشيوخ يتابعون حقاً قضية الالتحاق بـ(داعش) عن قرب، لعرفوا أن أكثر الملتحقين بها من خارج البلاد “من الأثرياء” الذين لا يغريهم المال، كما أنهم التحقوا بالتنظيم لمفاهيم دينية “بحتة” وصلت إلى عقولهم بطريقة خاطئة، ولم يستطع أولئك العلماء تصحيحها مطلقاً.
الرأي العام المُستهجن للأفكار الداعشية، انكشاف “ضعف وهشاشة” التنظيم فكرياً، وكذلك انهزامه مادياً ولوجستياً، وافتضاح أكاذيبه وادعاءاته قللت رغبة الشباب بالالتحاق به، وأنارت قلوبهم وعقولهم.
ويتابع الخبر المنشور في الزميلة الانتباهة أمس الأول: “وحرض الأمين العام لمجلس الدعوة الإسلامية عبد الله الأردب في الندوة، على قيام حملة شعواء ضد البرامج التلفزيونية التي تؤطر للتطرف الفكري، مشدداً على أنه لا بد من حملة شعواء على (شباب توك) وأمثاله، وطالب المجتمع بالتصدي للفسوق والعري”.
هكذا بكل بساطة، يريد الأمين العام لمجلس الدعوة من الشباب “شن حملة شعواء” دون توضيح الأسباب والكيفية، ودون أبسط مقومات الحملة وهي “الاقتناع”!
كيف يحارب الشباب برامج تلفزيونية تُعلي من صوتهم؟ وتعكس قناعاتهم، وتدلل على شخصيتهم؟
لماذا لم يراجع أولئك العلماء أنفسهم بعيداً عن طريقة “وئام شوقي”، ويحاولوا تحليل مضمون ما قالته وما تؤمن به فتيات أخريات؟
أسلوب الترغيب عند علمائنا “شبه منعدم”، فالأجدى بحسب فكرهم هو التهديد والوعيد.
وفي ذات الخبر فقرة أخرى تقول: “وأكد عضو مجمع الفقه الإسلامي إبراهيم نورين أن العنوسة أحد أسباب التحاق الفتيات بالتنظيم لما يجدنه من إغراءات بالزواج”، ويضيف هذا العالم: “كتار حصل ليهم إغراء.. بطلبوا من الفتاة ترسل صورة ويرسلوا ليها الجواز”.. ويتعدى نورين هذه العبارة لأخرى أخطر منها: “نساء متزوجات طلبن الطلاق من أزواجهن لاقتناعهن بالفكر المتطرف”.
التناقض واضح في فِكر نورين، تارة العنوسة وتارةً أخرى الاقتناع بالفكر الداعشي، لدرجة طلب المتزوجات من أزواجهن الطلاق!
مثل تلك العبارات السطحية، تدلل كيف أن علماءنا أيضاً بعيدون، ليس من الشباب فقط، بل من المجتمع ككل!
هذا العالم، نسي تماماً، كيف أن التنظيم جند أحد أفضل الكوادر المؤمنة بأفكاره في السودان ليستقطب الشباب والشابات عبر جلسات فكر امتدت لأشهر تمت على مراحل، كان آخرها تواصل أولئك الطلاب المغرر بهم مع قيادات التنظيم في العراق وسوريا عبر تطبيقات أبرزها “تلغرام”.
هل سمع الشيخ بهذا التطبيق؟!
لماذا لا يُغرر بالشباب إن كان العلماء المتفقهون في الدين، والقادرون على الإقناع بالحجة، بعيدين عن الإعلام وتاركين آخرين في الهيئات الرسمية مثل “مجمع الفقه” و”هيئة علماء السودان” يرفعون حاجب دهشتنا يوماً بعد يوم!!
التعليقات مغلقة.