النائب العام عمر أحمد محمد، الذي يشهد له خبراء القانون بالذكاء والكفاءة ومعرفة الجوانب القانونية المخفية، وقدرته على قول الحق مهما كان عصياً، أدلى ببيان في فيينا يستحق الوقوف عنده.
تحدث عمر في بيانه أمس الجمعة، عن التزام السودان بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال مكافحة الفساد، مؤكداً اهتمام الدولة بالمشاركة في جميع الأنشطة والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد لأهمية تبادل التجارب والخبرات.
إلى هنا، والحديث جميل، غير أن النائب العام يمضي لأبعد من ذلك، حيث أثنى على الدور الذي تؤديه “الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد” باعتبارها المؤسسة الأولى المعنية بالتغلب على القصور المعرفي في مكافحة الفساد، ثم اقترح أن يستضيف السودان مركزا إقليميا للأكاديمية يُعنى بتقديم التدريب والمعارف اللازمة للدول الإفريقية في الإقليم في مجال مكافحة الفساد.
قلت في سري “معقولة يا عمر.. مركز مرة وحدة؟!”.
هل بإمكاننا التحدث بصراحة، حول التجربة “الثرة” التي نتمتع بها في مكافحة الفساد ونريد نقلها إلى الدول الأخرى؟
حتى الآن ومنذ أن بدأت حملة “القطط السمان” لم يُقدم إلى المُحاكمة سوى مسؤول واحد، ومن المنظومة الأمنية.
أين بقية الموظفين والمصرفيين ورجال الأعمال؟ هل كان التحلل ودفع الأموال هو الإجراء الأنسب لمكافحة الفساد؟
أعقوبة من احتال؛ تتمثل فقط في إعادة ما سرق؟!
بل هل نحن متأكدون أنهم تجاوزوا وخالفوا أو سرقوا؟
أكان نهج الحكومة فك الضائقة المالية التي تعيشها عبر الحصول على مليارات الجنيهات من المتهمين المحتجزين، أم أن الغرض كان تصحيح الوضع وإزالة التشوهات ونهج المحاباة في الممارسة الموجودة؟!
لم تُقيّم الصحافة أداءها وعملها في ملفات الفساد، وربما الجهات الأخرى أيضاً من نيابة وجهاز أمن ووحدة مكافحة الفساد تحتاج إلى ذلك، بل حتى وزارة العدل والبرلمان والجهات الأخرى التي تطرقت إلى هذا الموضوع..
ألا نحتاج لنتعرف ونطلع على المشهد منذ بدايته حتى نهايته لنعرف الطريقة المثلى لمكافحة الفساد؟
أيكفينا بِدء “المسلسل” وتركه من المنتصف ظناً مننا أننا نعرف نهاية الحلقة؟!
لا أصوات لمنظمات أو مفوضيات أو حتى حقائق حول قضايا انتهت بأحكام واضحة، لنطلب من الأكاديمية فتح مركز لها في السودان.
تجربة الفساد في السودان تحتاج إلى التعمق وإعادة النظر والاستمرار فيها، فهي أشبه بـ”الكتاحة” التي تجتاح المدينة ثم تختفي، ولا تعود إلا بصورة مفاجئة، وخلال تلك الفترة، يهزم الزمن أشياء كثيرة.
ترى.. كان عمر يعني مركزا لمعرفة أصول الفساد أم يقصد طرق مكافحته؟
التعليقات مغلقة.