إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)} الأحزاب.
أما بعد:
يقول سبحانه وتعالى: ﴿ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾، فقد خلق الله البشرية من آدم وحواء، وجعل من نسلهما شعوباً وقبائل وأمماً، لا يستغني بعضهم عن بعض، يحمدونه سبحانه وتعالى على آلائه ونعمائه، فهم، وإن اختلفت ألوانهم وألسنتهم، عبيدالله، يتعاونون في السراء والضراء، لا يختلفون في توحيد الله وإن تعددت شرائعهم، يتضرعون إليه سبحانه لكشف الكربات، ويكثرون من حمده لدوام الخيرات والبركات.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير﴾.
هذا النداء الرباني هو نداء عام للناس كافة بغض النظر عن انتماءاتهم أو قومياتهم، وقد بعث الله عز وجل للناس النبي بشيراً ونذيراً بمقتضى قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً﴾.
وهذا ما تضمنته خطبة الوداع عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ثم قال عليه الصلاة والسلام: إن الله أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ثم قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا…”.
أيها المؤمنون:
لقد أرسى الإسلام مبادئ عظيمة في مجال التعاون على البر والتقوى بين جميع الناس دون تمييز، بغض النظر عن أجناسهم وأعراقهم وسحناتهم، ذلك أن هدف دعوة الإسلام هو سعادة الإنسان وعزته وكرامته، هذه السعادة التي لا تتأتى إلا بملء القلوب بالهدى والطهـر، والإيمان واليقين، والحب والوئام، حيث تتحد الأفئدة بين الناس في عروة وثقى لا انفصام لها، وعلى هذا النهج الذي تتساوى فيه النفس البشرية سارت سفينة الحياة بالمسلمين تحت لواء تعاليم هذا الدين في طريق التعاون على البر والتقوى لصالح الأمة.
عباد الله:
إن التعاون البناء من أجل خير البشرية جمعاء هو سر جمال الوجود ومظهر قوة الإنسان وعظمته، فالمجتمع البشري ما لم يتعاون أفراده، طاقة معطلة وقوة ضائعة، لا تؤدي دورها في الحياة، ولا تقوم بوظيفتها في عمارة الأرض، لذلك فالتعاون بين أفراد المجتمع هو أمضى سلاح تدفع به الأمم غائلة الشر عن نفسها، وتحفظ به أمنها واستقرارها.
أيها المسلمون:
لقد وضع الإسلام منذ البداية مبدأ أساسياً في النظر إلى الإنسان، ألا وهو عدم التمييز بين الناس، وحصر التفاضل بينهم على أساس وحيد ألا وهو الإيمان والعمل الصالح. وبهذه القاعدة في المساواة أهَّل الإسلام بني البشر للتعاون على البر والتقوى، وحرم عليهم التعاون على أي نوع من أنواع الإثم والعدوان الذي لا يرضاه الله.
أيها المؤمنون:
إن اختلاف المجتمعات اختلاف تنوع وهو ظاهرة صحية، وسمة حضارية، وفطرة إنسانية، ووسيلة للتعاون والتكافل والتكامل، لكن عندما تتحجر عقول قوم أو ينغلق فكرهم، ويريدون أن يكون الناس كلهم نموذجاً متماثلاً، مثل النماذج المعلبة في المعامل أو تلك التي تنتجها المختبرات فهم بذلك يضادون سنة الله في خلقه حيث شاء لهم جل وعلا أن يكونوا مختلفين من أجل إثراء هذا الكون وهذه الحياة.
أيها المسلمون:
ما أحوجنا اليوم إلى نبذ النعرات والجهويات وإيقاف الحروبات التي تندلع هنا وهنالك والتعاون من أجل بناء أمتنا وترقية مجتمعنا وتنقيتة من كل الشوائب، والحذر من الدعايات المضللة المغرضة والأفكار الهدامة التي تعيق النماء وتثير الشحناء والفرقة، فاللهم جنبنا وجنب بلدنا كل الفتن ما ظهر منها وما بطن، واعصمنا من الزيغ والزلل، واهدنا بفضلك إلى الطريق القويم وسواء الصراط.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا مريضاً إلا شفيته ولا ميتاً إلا رحمته ولا طالباً أمراً من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته اللهم إنا نسألك أن تجعل بلدنا بلداً آمناً وارزقه من كل الخيرات وجنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم نسألك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وحسن العقبى وحسن الميعاد وآتنا ربنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فهو الغفور الرحيم، وأقم الصلاة..
الجريدة
التعليقات مغلقة.