باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

ضياء الدين: (قروش ماليزيا)!

492

 

-1-
(اللهم اكفني شرَّ أصحابي، أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم).
أغربُ خبرٍ صادفني خلال الأسبوع الماضي، كان مصدرُه مركز الخدمات الصحفية (إس إم سي).
أدعوكم إلى إعادة قراءة هذا الخبر، وتأمّلِ ما جاء فيه، لكن بعدسة أدق من عدسات صديقنا ملاسي:
(قامت فرقُ تفتيشٍ مُختصَّة، بالتنسيق مع السلطات العدلية، بمُراجعة حسابات بنكية بماليزيا، تتبع لعددٍ من الشركات والمسؤولين والأفراد، وتحصَّلت على بعض المُستندات التي تُشير إلى وجود تجاوزات.
وأفادت مصادر مطلعة (smc)، أن مُراجعة الحسابات، جاءت بغرض الاطّلاع على حركة عمليات الإيداع والسَّحب في قضايا تتعلَّق باستغلال النفوذ والتعامل بالنقد الأجنبي وغسل الأموال، وغيرها من الاتهامات.
يأتي ذلك في إطار التحقيقات التي تقوم بها السلطات في عددٍ من قضايا الفساد المالي والإداري، بتوجيهات من رئاسة الجمهورية، ومُتابعة الأجهزة الأمنية).
-2-
هذا خبرٌ بالغُ الغرابة، ومثيرٌ للدهشة والتعجُّب، كيف لدولةٍ مثل ماليزيا أن تقوم بفتح ملفَّات وحسابات عملاء بنوكها لفرق تفتيش أجنبية؟!!
لا أظنُّ أن ذلك يُمكن أن يحدث بهذه الطريقة الواردة في الخبر المعلول، وربما المشبوه!
فرق تفتيشٍ تجوب المصارف الماليزية، بحثاً عن مُدَّخرات القطط السمان السودانية، المُهرَّبة من خزانة الدولة، أو المُسرَّبة عبر عمليات إجرامية!

لا تُوجد دولةٌ صغيرةٌ أو كبيرةٌ تسمح بذلك، دعك من ماليزيا الدولة الناهضة بقُوَّة والمُرتكزة على اقتصاد أصبح أحد أقوى اقتصادات العالم، وأكثرها تنوُّعاً، وأسرعها نُمُوَّاً في جنوب شرق آسيا، حيث تتجاوز الكتلة النقدية بالمصارف الإسلامية الماليزية 171 مليار دولار.
كيف لدولةٍ بهذا الحجم من الاقتصاد، والنظام المصرفي الدقيق والأمن، أن تكشف أسرار عُملائها لفرق تفتيش؟!!
كان بالإمكان تصديق الخبر إلى حدٍّ ما، إذا ذَكَرَ أن جهاتٍ قانونية طالبت الحكومة الماليزية بكشف حسابات بعض المُدانين في قضايا فساد. توافق ماليزيا على ذلك أو ترفض!
لا عبرة من السوابق. لم تُطوَ أوراقُ أيمن المأمون بعدُ في المحاكم الإماراتية؛ فقد أُدين باختراق سرِّيَّة النظام المصرفي الإماراتي، وماليزيا لا تقلُّ عن الإمارات في الاهتمام بالنظام المصرفي وإحكام سِرِّيَّته، وفي مقدمة ذلك عدم الاطِّلاع على حسابات العُملاء.
-3-
الغريبُ والمُدهش أن مصدر الخبر ليس (الراكوبة أو سودانيز أونلاين)، بل وكالة إخبارية تابعة لجهة رسمية، من المُفترض أن تكون لها عناية فائقة بدقَّة مثل هذه الأخبار، لحساسية نسبة الوكالة لتلك الجهة!
منطقية عدم صحة المعلومات الواردة في الخبر، لا تعني عدم وجود أموالٍ مُهرَّبة من الداخل إلى مصارف أجنبية ماليزية أو غيرها؛ فذلك واردٌ وربما له شواهد، ولكن ليس من ضمن طرق كشفها القيام بحملات تفتيشٍ في المصارف، وكأنها حملات في أسواق شعبية!
-4-
أن يكون هناك برنامجٌ فاعلٌ لمُحاربة الفساد، فذلك أمرٌ محمودٌ ومطلوبٌ بشدَّة، من كُلِّ المُجتمع السوداني، صغيره قبل كبيره.
الفساد واحدٌ من الأسباب التي أوردتنا موارد الهلاك الاقتصادي، وأورثتنا الفقر، بتبديد الفُرص وتجفيف الموارد وإهدار الإمكانيات وتحقيق النجاحات الخاصة في الفشل العام.
ظللنا نقول: الفاسدون يمثلون خطراً على الدولة، أكثر من المتمردين وحاملي السلاح.
الفاسدون أخطر من الأعداء المُقاتلين.
الأعداء يُقابلونك في الهواء الطلق، والفاسدون يُقاتلونك خلف أسوار الذات، في بيئة مُغلقة صالحة لنشاط الباكتيريا.
-5-
من المهم جدَّاً أن تُدار الحرب على الفساد، بقدرٍ كبيرٍ من العدالة والإنصاف والنزاهة والعقلانية، وألا تُستغلَّ الشعاراتُ في تصفية الحسابات.
الإدانة الاجتماعية والإعلامية، أوقع أذىً من إدانة المحاكم؛ لذا مطلوبٌ منا جميعاً تحرِّي الدِّقَّة ونقل المعلومات الصحيحة، فكما تدين تدان.

-4-
من الواضح أن هناك تخبُّطاً إعلاميَّاً في التعامل مع قضايا الفساد، مما يُمكن أن تترتَّب عليه كثيرٌ من المضار والمخاطر على الأفراد والمُؤسَّسات، وربما ترتَّب على ذلك إحجام المُستثمرين الأجانب، وهروب رؤوس الأموال الوطنية.
هناك فسادٌ أخلاقيٌّ في تعامل البعض مع قضايا الفساد، فهي ساحةٌ واسعةٌ وسوقٌ عريضٌ للابتزاز والكيد، وهناك من يقعون في الأخطاء عن جهلٍ وعدم معرفة.
أعجبتني جداً فكرة الزميل الأخ رحاب طه، رئيس تحرير (الوفاق)، وهو يطرح مشروع تدريب الصحفيين على القواعد المهنية والأخلاقية، في التعامل مع قضايا الفساد.
ليس الصحفيون وحدهم في حاجة لذلك، بل كل من له علاقة بهذه الملفات الحسَّاسة يجب أن يعرف كيفية التعامل معها إعلامياً، وحساسية كل كلمة ورقم، فما يأتي في الإعلام يصبح وثائق في التاريخ لا تُمحى، ولا تزال تُحاكم بها الأسر والعائلات.
-أخيراً-
أخطر ما فعله خبر (إس إم سي) عن فرق تفتيش ماليزيا، وضع ختم اعتمادٍ رسميٍّ على كثيرٍ من الشائعات لتتحول إلى حقائق دامغة.

التعليقات مغلقة.

error: