نشرت صحيفة (السوداني)، الأسبوع الماضي، إعلاناً مثيراً للدهشة، على غير العادة لم يكن ترويجاً لسلعة أو خدمة تقدمها أحد المؤسسات، وتبغي من ورائه جني أرباح طائلة، ولكنها كانت شكوى، شكوى تقدمت بها مؤسسة، ترجو من خلالها إحقاق الحق وتوجهها إلى مؤسسات الدولة العُليا المتمثلة في رئيس مجلس الوزراء ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، صاحب الشكوى وهو يرفع شكواه لم يقل سوى أنه سوداني ويحمل الجواز السوداني، وأنه يعيش وسط 30 مليون سوداني يتسمون بمكارم الأخلاق.
لم ترد في الإعلان فحوى الشكوى أو تفاصيلها، ولكن يطلب صاحبها بأن يفتح باب التحقيق وفق ما ترى المؤسسات المعنية وبحسب أولوياتها، الشكوى تحمل شعار محلات (هوم كير)، وهي محلات متخصصة في الأواني والمستلزمات المنزلية، اختار صاحبها أن يلجأ إلى جهات عليا ليشتكي من ظلم ألم به، وهو حق تكفله القوانين والدساتير القومية، ويتطلب تدخلاً عاجلاً لسماع شكوى مواطن سوداني والسعي الجاد لحلها بعدالة وحيادية.
في شهر أكتوبر الماضي، أعلن مجلس الوزراء السوداني تخصيص الخط الساخن (9197) لتلقي شكاوى المواطنين تنفيذاً لتوجيهات الفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول، رئيس الوزراء، ويهدف القسم لمعالجة شكاوى المواطن السوداني وتفعيل دور الجهاز التنفيذي في تقديم خدمة مرضية للمواطنين، وبعد مرور شهر أعلن المجلس استقباله لشكاوى من مواطنين من العاصمة والولايات. وذكر الآلية المخصصة قامت بتصنيف عدد كبير منها، وتسليمها لجهات الاختصاص، غير أنها لم تفصح ما إذا كانت هذه الشكاوى قد تمت معالجتها أم كان مصيرها التجاهل.
عدد من المؤسسات والوحدات الحكومية تمارس تعسفاً غير مبرر تجاه المتعاملين معها الذين يخضعون لأمزجة الموظفين وظروفهم الاجتماعية دون أن يجد ذلك أدنى محاسبة أو عقاب من الجهات العليا، ولعل ذلك هو السبب الرئيس وراء تراجع الخدمة المدنية، وتدني مستواها عن السابق، فإذا كان مجلس الوزراء يبطن الجدية في تنفيذ قرار الشكاوى عليه أن يسرع في البت في الشكاوى المرفوعة إليه، التي سبق أن أعلن عنها، وأن يتم حساب كل مقصر وإعطاء كل ذي حق حقه.. على الدولة إن لم تستطع أن توفر ظروفاً اقتصادية ملائمة أو أن تهيئ أوضاعاً معيشية كريمة لمنسوبيها، ولم يكن في مقدورها الإسهام بجدية في حل الأزمات، عليها فقط أن تصغي بجدية لشكاوى مواطنيها، وأن تخفف عنهم ضغوط الحياة بالاستماع عن ما يؤلمهم، وأن لا تترك شكواهم في خانة (الشكوى لغير الله مذلة).
التعليقات مغلقة.