:: (حكاية صبرية)، من الروائع التي جاد بها خيال الحبيب خالد شقوري بالنص الشعري: طُفت أطراف الفيافي / شلت صبحي وليلي حافي / وما نسيت ارد القوافي / زي طعم صبرية مافي / زي عشم صبرية مافي / زي نغم صبرية مافي.. وعندما يؤديها ود النصري بلحن حزين وصوت طروب، تسأل عن صبرية هذه.. ويُجيبك شقوري ذاته في ذات القصيدة: شافعي من عربان بلدنا، منها وفيها الوداعه/ شتله في قيزان بلدنا، قايمي بي ايدها وضراعا/ القديم اللافحا طرقي، زاهي في روعة طباعا/ والبسيمات في وجيها، الياها من زمن الرضاعه/ فاقعي زي شمس العصاري، الفي العمر باقيلا ساعة/ والقليب الشايلا صافي، زي صفاء صبرية مافي..!!
:: ويتواصل السرد، ليس واصفاً فقط حال وحياة بنت البادية (صبرية)، والتي تسرح بالأغنام على هامش حياة أهل المدن والأرياف، بل واصفاً أيضاً تفاصيل حياة (عُربان بلدنا)، وما فيها من آمال وآلام وأوجاع الإقامة المؤقتة والرحيل المُر.. وظهر الاثنين الفائت، بصالة كبار الزوار بمطار دنقلا، عندما أعلن مراسم حكومة الشمالية عن لحظة تكريم الطالبة النابغة عيشة عوض محمد حامد، تخيّلت ملامح بنت البادية صبرية وبسيمتها وأغنامها وخيمتها، ورسمت حياتها – في خيالي – مع كل تفاصيل أطراف الفيافي التي وثقها شقوري والنصري.. فالطالبة النابغة عيشة أيضاً، كما صبرية، (شافعي من عربان بلدنا)، وتعيش مع أسرتها – على هامش الحياة – بمحلية مروي..!!
:: وبعد أن اختارت المساق العلمي (أحياء)، جلست الطالبة عيشة عوض محمد حامد لامتحان الشهادة السودانية من مدرسة علي أبرسي بمنطقة كورتي بمحلية مروي، ونجحت وأحرزت (92.4%).. عم عوض من الذين سمّاهم خالد شقوري (عُربان بلدنا)، ويُقيم مع أفراد أسرته في (بيت جالوص).. ولأنهم يقيمون – في بيوت الطين والكرتون والجوالات – على أطراف المدن والقرى، أي على هامش الحياة، دائماً ما تكون تلك البيوت العشوائية بلا مياه أو كهرباء.. وكانت الطالبة عيشة تذاكر دروسها بالفانوس.. وعندما يحاصرهم الفقر – لحد العجز عن توفير الجازولين – تجلس عيشة على البرش وتراجع دروسها بنار الحطب.. ثم حققت حلمها بامتياز، رغم أنف قيود الفقر وشماعة الكسالى المسماة بالإمكانيات..!!
:: (نحن ما قرينا، ولازم نقري العيال عشان ما يتعبو زينا)، قالها عم عوض في زخم احتفاء حكومة الشمالية بابنته عيشة، ويبدو أن قرار تعليم الأبناء هو التحدي المراد به قهر متاعب أطراف الفيافي (هامش الحياة).. بعد سنوات من التجوال في أطراف المدن والقرى، سوف تستقر أسرة عم عوض في المدينة على قطعة أرض أهدتها حكومة الشمالية لابنته.. فالتحيات لعم عوض، وهو يهزم اليأس، ويصنع – للبلد – هذا النجاح.. ولأساتذة مدرسة أبرسي بكورتي، وهم ينتشلون نابغة من فيافي الفقر والنزوح والأمية.. وشكراً لوالي الشمالية وأعضاء حكومته، وهم يحيطون النابغة عيشة وأسرتها بسياج من المحبة والتقدير والرعاية لحين إكمال المرحلة الجامعية بإذن الله.. نجاح عيشة يجب أن يغرس روح العزيمة في نفوس من لا يتقنون غير تبرير الفشل والرسوب..!!
التعليقات مغلقة.