الطاهر ساتي: الحج المدعوم..!!

:: بعد الإعلان عن تكاليف وإجراءات حج هذا العام، شكر وزير الإرشاد والأوقاف أبوبكر عثمان إبراهيم وزارة مالية حكومته الكريمة بالنص القائل: (على الرغم من التحديات الاقتصادية والظروف الماثلة وجهت الحكومة بتوفير النقد الأجنبي لخدمات الحجاج بالمملكة عبر البنك المركزي)، ثم أشار الوزير أبوبكر إلى أن نسبة ارتفاع تكاليف حج هذا العام (طفيفة) مقارنة عما كانت عليها في العام الفائت.. وعليه، فإن حج هذا العام أيضاً مدعوم، أي كما حج الأعوام الفائتة، رغم أنف المناشدة برفع الدعم عن الحج..!!

:: وهو يشكر حكومته على توفير النقد الأجنبي عبر البنك المركزي، قد لا يعلم السيد وزير الإرشاد والأوقاف أن حكومته هذه رفعت الدعم عن كل ضروريات الحياة (بلا رحمة)، بما فيها الأدوية التي تنقذ حياة الناس من الموت، بحيث صارت تُباع وتًشترى بأسعار (السوق الأسود)، وهي أسعار تتصاعد يوماً تلو الآخر، وقد تجاوزت الأربعين جنيهاً.. قد لا يعلم الوزير هذا الأمر المؤسف والجلل، ولذلك يشكر حكومته على هذا التنطع المسمى في التصريح بتوفير النقد الأجنبي عبر البنك المركزي..!!

:: وفي الخاطر، قبل سنوات، وبعد أن رفع بعض الدعم عن القمح والوقود مباشرة، زار وزير المالية السابق، مرافقاً النائب الأول لرئيس الجمهورية، وزارة الإرشاد، وقال هناك مُباهياً: (حج هذا العام كان مدعوماً من قبل المالية).. ومن هنا، توالت توجيهات الحكومة للسلطات المالية بدعم الحج عبر البنك المركزي..وفي مثل هذه التوجيهات تتجلى قمم التناقض وجبال التنطع بكل وضوح.. فمن المحن أن تتباهى الحكومة بدعم حج الأثرياء والمقتدرين بتوفير النقد الأجنبي بسعر البنك المركزي، ثم ترفع الدعم عن أدوية الفقراء والأرامل واليتامى بمنتهى القسوة..!!

:: وما لم يكن لسادة الحكومة ديناً آخر غير الإسلام، فإن شعيرة الحج كانت لمن استطاع إليها سبيلاً.. نعم لمن استطاع توفير تكاليفها من حر ماله، وليس من مال الشعب.. والعاجز عن دفع تكاليف الحج بسعر ريال السوق الأسود لن يخرج من ملة الإسلام، بحيث تدعم الحكومة حجه بسعر ريال البنك المركزي.. ثم لغير المقتدرين على الحج في دولار البنك المركزي (نصيب)، وليس من العدل دعم حج المقتدرين بأموال غير المقتدرين.. ولم نسمع بمواطن مات بمطار الخرطوم أو ميناء سواكن، وقالت التقارير الطبية بأن العجز عن الحج هو سبب وفاة هذا المواطن..!!

:: ولكن لو ذهب السادة بالحكومة إلى مشافي الخرطوم وكل الولايات، فإنهم سوف يجدون أمام المشافي وفي شوارعها من يتسول (تكاليف روشتة)، ثم من يحتضر – تعففاً – ومحروماً من حق العلاج، وأدوية هؤلاء هي التي يجب توفيرها بسعر البنك المركزي، وليس تكاليف حج الأثرياء.. وعليه، يجب رفع الدعم عن الحج، كما تم رفعه عن الأدوية، بحيث لا يبدو حالكم كأهل العراق الذين سألوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن قتل البعوض للمحرم؟، فصاح فيهم: (قاتلكم الله، تستبيحون دم الحسين في الشهر الحرام وتسألون عن دم البعوض؟).