غرباً باتجاه الشرق
(٢ — ٤)
مارسيدن ست البركاوي
——
نستأنف إذن حديث البركاوي فنقول وبالله التوفيق إن صديقي وقريبي عبد الوهاب همت المسؤول الإعلامي للحركة الشعبية في بريطانيا وأحد أهم الموردين للذخيرة الحية التي يستخدمها موقع (الراكوبة)، وهو الموقع الذي ذكر الحبيب ياسر عرمان في لقاء له مع محازبيه في هولندا قبل سنوات أن الحركة الشعبية تموله وتدعمه، نقول: إن جزءا كبيرا من الذخيرة التي قدمها للنشر لم تكن لتصلح أصلاً للاستخدام الحربي لولا الأهواء والغبائن كما سنبيّن.
أولاً، كذب موقع الحركة كذبا صريحا عندما ذكر أن السفيرة السابقة مارسيدن هي مديرة شاتهام هاوس، وأنها مديرة مركز الحوار الإنساني في لندن، حتى ترتفع ويعلو كومها ويسهل التصويب وإطلاق النار من فوقه. ثم كانت البلوى الكبرى عندما زعم الموقع أن مارسيدن تشغل منصب مدير المعهد الملكي للشؤون الدولية!
وهي في واقع الأمر لا مديرة ولا غفيرة، ولا وجود لها تحت أي صفة أو مسمى في إدارات هذه الجهات ولا حتى في لجانها المتخصصة. ولم تشغل أبداً أي من هذه المراتب السامية التي وهطتها، بل كبستها فيها كبساً، جماعة الحركة الشعبية طلباً للنصر في معركة البركاوي.
والمذكورة، ونعني ست البركاوي السيدة مارسيدن، ليست من ذوي الهيئات في أي من المراكز المشار إليها. وإنما هي واحدة من عشرات وربما مئات الباحثين الذين يستعين بهم ذلك الصنف من المؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة وبقية أنحاء العالم لأغراض المشاركة في الأنشطة وإعداد البحوث وتقديم الأوراق وإدارة الجلسات أو التعقيب على المتحدثين.
ولأنها عملت بالسودان وتعرف بعض قضاياه بحكم الإقامة، فقد جعلت من السودان مطعماً لها، تأكل من ورائه وتشرب. شأنها في ذلك شأن ضريبها الأمريكي اريك ريفز الذي حفر شيخنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم من ورائه ليعرف مقدار منجزاته في حقل الأدب الإنجليزي الذي هو مجال تخصصه الأساس، فاكتشف أنه لم ينجز فيه أي شيء ذي بال منذ مقدم العصبة المنقذة إلى الحكم في السودان عام ١٩٨٩، وأنه لم يكتب شيئا سوى سلسلة من المعلقات، تلاحقت فلم تتوقف أبدا، تدور كلها في مدار حكومة السودان وضرورة إسقاطها لصالح القوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة. وهو نوع من النشاط تتوفر له كل أنواع التمويلات والمكافآت المادية المجزية في الغرب.
وظل هؤلاء الأحباب والحبيبات من شاكلة ريفز ومارسيدن عبر السنوات، يأكلون الفالوذج بالفستق المقشور من وراء هذا النوع من النشاط. ولا يخالجني شك في أنهم يدعون الله سراً أن ينعم ويمنّ عليهم ويمد من عمر نظام الإنقاذ مدا فيركبون المطايا ويأخذون العطايا.
والحقيقة أيضا أن ست البركاوي ذكرت في إحدى المناسبات بلندن منتصف يناير الماضي أنها تعرف السودان وتعرف البصرة، فقد عملت أيضا في العراق وكان مركز عملها القنصلية البريطانية في البصرة. وقد استغربت لقولها (السودان والبصرة) بدلا عن (السودان والعراق). وربما خشيت السيدة من الدخول في حسكنيت العراق فتركته من ورائها ظهريا، واستسهلت مزعم التخصص في السودان فجعلت منه حائطها القصير في معركة أكل العيش.
ثم إن النشاط المركزي الذي تضطلع به ست البركاوي، وهو تجميع التنظيمات المعارضة المسلحة وغير المسلحة، وإعانتها على توحيد كلمتها وإعادة رص صفوفها، وتقويتها في مواجهة النظام، لا صلة له بالمراكز البريطانية التي زعم محازبو الحركة الشعبية وصحافتها الإلكترونية أنها ترأسها. وإنما هو نشاط منفصل تماما ترعاه وتموله منظمة يهودية مقرها سويسرا، ذات نسب بجهاز المخابرات الأمريكية وفقا لبيانات جرى نشرها غير مرة في وسائط أوروبية وأمريكية. وتحمل المنظمة اسم (مركز الحوار الإنساني).
مركز الحوار الإنساني هذا إن لم تكن قد علمت، أعزك الله، هو نفسه المركز الذي سعى قبيل سنوات إلى اختراق القبائل العربية في دارفور وتسييسها وإقناع قادتها والمتعلمين من بين صفوفها بالانضمام إلى معسكر التمرد بدعوى أن القبائل العربية مهمشة هي أيضا، تماما مثل رصفائها من ذوي الأصل الإفريقي المحض. وقد اجتهدت المنظمة في هذا المسعى اجتهادا، وبذلت من الأموال بذلاناً، ولكنها لم تبلغ الغاية في تسويق خطتها. وكانت المنظمة قد عقدت عدة ورش عمل في كينيا وإثيوبيا جيّشت لها عدداً من قادة المجتمع ومجموعة من النخب المنتسبين إلى القبائل العربية، وبعض مثقفي الشمال الذين يعشقون ليالي أديس أبابا ونيروبي.
وقد تذكر، رعاك الله، أنني كتبت ذات مرة مقرّعاً الروائي عبد العزيز بركة ساكن عندما خرج أمام الصحفيين في إحدى جولات الحوار بين الحكومة والحركة بأديس أبابا، ليعلن وقد امتلأ صدره بهواء الفخر أنه وصل إلى أديس بدعوة من الوساطة الإفريقية. ولم يكن هذا الحبيب يعلم أن الوساطة لا تقدم وليست مخولة بحكم طبيعة الاختصاص المنوط بها بتقديم مثل هذه الدعوات!
كانت الحقيقة يومها أن تذاكر السفر والنثريات قدمتها المنظمة اليهودية المسماة مركز الحوار الإنساني. وكانت ذات النثريات الدولارية والتذاكر قد وصلت من قبل للناشط السياسي والكاتب المعارض، رئيس تحرير صحيفة (إيلاف)، الدكتور خالد التيجاني، فاستكشفها وحصحصها، ثم رفضها بعد أن تعرف على مصدرها، وعنّف مرسلها ياسر عرمان تعنيفاً شديدا.
وكان الحبيب ياسر يوجه الدعوات لبعض الشخصيات مثل بركة ساكن والشاعر عالم عباس ويوهمهم بأن الوساطة الإفريقية هي التي تخيرتهم ووجهت لهم الدعوات لحضور المفاوضات، ثم يخطر المنظمة لإرسال التذاكر والنثريات فيتلقاها هؤلاء جزلى ويهرعون إلى المطار!
زبدة الحديث أن مركز الحوار الإنساني هو الذي يرعى نشاط ست البركاوي السفيرة مارسيدن، ويمول المؤتمرات والنشاطات والمآكل والمشارب وبطاقات الأسفار والنثريات التي يستخدمها الأحباب من جماعة (نداء السودان)، وليس شاتهام هاوس أو المركز الملكي للشؤون الدولية.
– نواصل –
التعليقات مغلقة.