سكان ولاية الخرطوم سيصومون شهر رمضان في بيوتهم هذا العام باذن الله . وتُمسح أيام الشهر الكريم أحزانهم المؤلمة، وتدب الحياة تدريجيًا في أوصال المجتمع عندما يتزاحمون في الأسواق وينشغلون في إعداد أنفسهم لعيد الفطر المبارك بالطقوس السودانية المعهودة. ثم تكون أيام العيد كالمنديل الذي يزيل “سهر الشوق في العيون النبيلة”.
وكما كان رمضان بداية الشرارة، يعود ليشعل الأمل ويطفئ النيران. ومع ذلك، يظل السؤال الكبير: ثم ماذا بعد هذا؟
هل يعود كل شيء كما كان؟ عندما تزول السكرة وتأتي الفكرة، سكرة الألم الكبير، وتشرق الشمس من أفق جديد، ويجد المواطن نفسه وأسرته في أسوأ مما كان قبل 15 أبريل 2023.
للأسف، حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا يبدو أن شيئًا قد تغير، وكل الأخطاء التي تراكمت حتى أنتجت هذا الواقع المرير ستستمر.
بصراحة…
الأمر لا يحتمل المجاملة. لابد من قناعة أن المسلمات التي نشأت عليها الدولة السودانية وكرستها ممارسة سياسية عرجاء لا مناص من مواجهتها رغم كثرة المستثمرين في بقائها لارتباط مصالحهم بها.
الخطوة الأولى تبدأ من فصل مقادير السياسة عن الإدارة.
هذه الخطوة بقدر ما هي مهمة وحتمية، فهي سهلة التنفيذ وعاجلة الثمار.
ظل القرار العام تحت كنف القطاع السياسي منذ الاستقلال، ولم يثبت أنه تطور أو تحرر من المصالح الحزبية والشخصية الضيقة. بل ربما انحدرت الأوضاع بسبب القصور المستمر في قدرات الساسة وعجزهم عن إنتاج الحلول.
طالما أن وجود الأحزاب حتمي لتحقيق التعددية والديمقراطية، فليس حكيمًا تقزيم أو تقليص مساحات العمل السياسي. بل على العكس، من الحكمة أن تتوفر حريات كاملة غير منقوصة في التعبير والتنظيم، ولكن بشرط أن لا ترتبط أقدار المواطن والوطن بقدرات وخبرات هذا القطاع السياسي.
لنترك الأحزاب تتطور -على أقل من مهلها- في ممارسة كاملة، ولكن بعيدًا عن المجالات التي ترتبط بحياة المواطن أو إدارة الخدمة المدنية. بعبارة أدق: أن يُترك الحكم للأحزاب، شريطة أن تترك الإدارة للخبراء في تخصصاتهم.
ولتوضيح الفكرة، لا يعني هذا تعيين وزراء حسب التخصص. وزير مهندس للكهرباء، وطبيب للصحة، ما يطلقون عليه “حكومة تكنوقراط “… ليس ذلك قصدي.
الأجدر هو أن يتولى السياسي الحزبي المنصب الوزاري، ولا حرج في ذلك، ولكن مع تحديد الوصف الوظيفي بكل دقة، والمهام والواجبات والمساءلة عليها.
الوصف الوظيفي للوزير في هذا المقترح يجعل مهامه منحصرة في:
– تمثيل الوزارة في مجلس الوزراء.
– تمثيل الوزارة أمام البرلمان.
– اعتماد القرارات التي تصدر من أعلى جهة تنفيذية وهي وكيل الوزارة.
وكلمة “اعتماد” هنا يقصد بها إعمال ضوابط الحوكمة التي تضمن أن يستكمل القرار التنفيذي كل شروطه المنصوص عليها في القانون ولوائح الخدمة المدنية، من حيث الاستناد على المعلومات والقانون دون تخطي.
جهاز الدولة بشكله القديم ظل مصدر الفشل الأساسي في العمل التنفيذي مما أفقر الوطن والمواطن. ولابد من تحديثه وتطويره بما يتوافق مع الطموحات والأهداف العالية التي يستحقها السودان والسودانيون.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.