باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

مزمل أبو القاسم: العيب ليس في المادة يا مها!

2٬125

 

‏* قبل أيام طالبت الأستاذة مها الشيخ، القيادية في المؤتمر الوطني، بإعادة النظر في مادة التحلل في قانون الثراء العام والمشبوه، وعللت مطالبتها بأن المادة المذكورة أثارت الغبن في نفوس الناس، لجهة أنها لا تسمح بتطبيق عقوبات رادعة علىالمفسدين، فهل ذلك صحيح؟
* هل تسمح المادة المذكورة للمفسدين بالإفلات من العقاب فعلاً؟
* وهل صحيح أنها لا تسمح بتطبيق عقوبات رادعة على المتجاوزين؟
* تنص المادة المذكورة، (وهي تحمل الرقم 13 في قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه) على ما يلي: (يجوز لكل شخصٍ أثرى ثراءً حراماً أو مشبوهاً أو ساعد في الحصول عليه أن يحلل نفسه هو أو زوجه أو أولاده القُصّر في أي مرحلة قبل توجيه الاتهام إليه).
* قصد المشّرع من ذلك النص أن يكافئ الشخص الذي يثوب إلى رشده، ويتوب من ذنبه، ويعترف بجرمه طواعيةََ، ويقر به قبل اكتشافه وتوجيه الاتهام إليه، ولم يقصد من يتم ضبطه بالجرم المشهود.
* العيب ليس في النص، ولا في قانون يعاقب كل من يثري ثراءً حراماً أو مشبوهاً بالسجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو غرامة لا تتجاوز ضعف مبلغ المال موضوع الثراء الحرام، أو بالعقوبتين معاً.
* لو كانت هناك حاجة لتعديل النص المذكور فهي تتعلق بضرورة أن تحوي العقوبة السجن وجوباً، لا أن تترك لتقدير القاضي، لأن النص الحالي يمنح المحكمة حق الاكتفاء بالغرامة، وهي لا تمثل عقوبةً صارمة لمن يسرقون قوت الناس، ويمدون أياديهم إلى الحرام، كي تثري منه على حساب الجوعى والمحرومين.
* فوق ذلك توجد تشريعات أخرى أشد صرامةً في التعامل مع حالات الاعتداء على المال العام، ومنها قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لعام 2007، الذي يعاقب أي موظف يعتدي على المال العام بالسجن لمدة عشر سنوات وجوباً.
* العيب ليس في المادة يا مها الشيخ، بل في من طوعوها، ولووا عنقها، وامتصوا نخاعها، كي يتخذوا منها منفذاً ومهرباً لإعفاء المتنفذين وأصحاب السند من العقاب.
* أبرز مثال على تلك الممارسة القبيحة ما حدث في قضية السطو على الدولارات المخصصة لاستيراد الدواء، بجريمةٍ منكرة، شهدت استخدام أسوأ فنون الاحتيال والتزوير والرشوة، عبر شبكة منظمة، كانت تستحق أن يتم التعامل معها عبر نيابة (الجرائم الموجهة ضد الدولة)، لأنها تمثل جريمة (شروع في قتل) الآلاف، وربما الملايين، من أهل السودان.
* كان التجاوز الذي تم فيها عظيماً لا يقبل التساهل، ومع ذلك تم التعامل معها بفقه التحلل، وأبرمت فيها تسويات مريبة ومهينة، حوت تساهلاً غريباً، وصل حد الاكتفاء باستعادة بعض الأموال المنهوبة (بالتقسيط).
* تم ذلك بواسطة (لجنة تسوية)، ألزمت بعض الشركات المتورطة بدفع (30 %) من مبالغ التمويل المهدرة فوراً، مع السماح لها بتسديد الباقي (على قسطين).
* تساءلنا وقتها: هل سمعتم بحرامي تم إلزامه برد ما سرقه على دفعات؟
* ذكرنا حينها أن من ينشل عشرة أو عشرين جنيهاً في حافلة مواصلات، ويضبط بجرمه، يُساق من فوره إلى السجن حبيساً، فكيف يترك من زوروا ودلسوا ورشوا وأغووا موظفي البنوك على خيانة الأمانة، واحتالوا على بنك السودان، ونهبوا ملايين الدولارات ليستمتعوا بأرباح سرقتهم، ويفلتوا من المحاكمة، ثم يُسمح لهم برد ما سرقوه (بالأقساط)؟
* إن الحق الخاص محمي في بلادنا بأهله، ومحروس بأصحابه، الذين يلاحقون من ينهبون حقوقهم، في سوح القضاء، ويتابعون التقاضي درجةً فدرجة، حتى يوصلوا قضاياهم غاية منتهاها، بالمحكمة العليا، أو طلب المراجعة.
* أما الحق العام فيحتاج حقاً وصدقاً لمن يغار عليه، ويمنع نهبه، ويحظر استخدام فقه التحلل فيه، كي تبقى المادة (13) مخصصة لمن تستيقظ ضمائرهم، ويعلنون توبتهم، ويقرون بذنوبهم طوعاً، وقبل أن تُكتشف جرائمهم.
* العيب ليس في القانون، بل في من يتجاوزون القانون ويطوعونه لحماية سارقين يتمتعون بحظوةٍ تمكنهم من التحلل من سرقاتهم بنصٍ لا ينطبق عليهم.

التعليقات مغلقة.

error: