د. الشفيع خضر سعيد يكتب: التفاوض ومستقبل الأطراف المتقاتلة في السودان
نواصل هذه السلسلة من المقالات التي تبحث، من وجهة نظرنا الخاصة، في ماهية الرؤية المطلوبة لإنهاء الحرب. وكنا في مقالنا السابق قد نوهنا إلى أن وجهة نظرنا هذه ليست بالضرورة هي الصحيحة في كل جوانبها وتفاصيلها، ولكنا نعتقد بأنها قد تكون صائبة في جانب، ومخطئة تستوجب إعادة النظر في جانب آخر، كما أنها قد تجذب الاتفاق أو تستدعي الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية.
وقلنا إن الرؤية هي عبارة عن محاولة الإجابات الممكنة على مجموعة من الأسئلة الرئيسة، من بينها السؤال حول طبيعة الحرب وآليات إيقافها، وما هو الدور الذي يمكن، أو يجب، أن يلعبه المجتمع الدولي والإقليمي في توفير هذه الآليات، وأين هو موقع العدالة والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وما هو جوهر العملية السياسية المفترضة، وهل لقيادات طرفي القوى العسكرية أي دور في هذه العملية السياسية، وما هو مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وكيفية إصلاح القطاع الأمني والعسكري حتى يكون للسودان جيشه الوطني المهني الواحد الذي يحتكر كل أشكال النشاط العسكري في البلاد، ويلتزم بمهامه في حماية الدستور في إطار الحكم المدني الديمقراطي، ويكون له القوى النظامية الأخرى التي تلتزم بذات المهام والواجبات، وهل ستنحصر العملية السياسية في قضايا الانتقال أم ستتمدد وتتوسع لتبحث قضايا إعادة تأسيس الدولة السودانية…..، الى غير ذلك من الأسئلة. وفي المقالات السابقة، ضمن هذه السلسلة، ناقشنا السؤال الأول المتعلق بطبيعة الحرب الدائرة في السودان، والسؤال الثاني المتعلق بماهية آليات وقف الاقتتال، والسؤال الثالث الخاص الذي ينظر إلى حرب الخامس عشر من أبريل /نيسان الماضي باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب المحاسبة والمساءلة القانونية لكل من أشعل وأطلق شرارتها، وكل من زكى نيرانها ودق طبولها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. أما سؤال اليوم، وهو السؤال الرابع من أسئلة الرؤية، فيتعلق بأن كان للطرفين المتقاتلين أي دور في العملية السياسية، وما هو مستقبل قيادات الجيش، ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وكيفية إصلاح القطاع العسكري والأمني.
بالطبع، وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات يتطلب وجود طرفي الاقتتال، الجيش والدعم السريع، على مائدة التفاوض، في منبر جدة أو أي منبر آخر، لا بهدف النقاش على أساس ما يقدمه الخبراء من الآليات الفنية لوقف إطلاق النار وإعادة نشر القوات فحسب، وإنما أيضا بهدف التفاوض على أساس الرؤية الوطنية التي تقدمها القوى المدنية كمشروع رئيسي لوقف إطلاق النار الدائم. أما بالنسبة لمستقبل الطرفين العسكريين، فإن نقاش ذلك يبدأ بمسألة المحاسبة والمساءلة القانونية حيال الحرب باعتبارها جريمة مركبة من عدة جرائم في حق الوطن والمواطن، تستوجب محاسبة كل من أشعلها وزكى نيرانها، وكل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة التي مورست خلالها. وكما أشرنا في مقالنا السابق، فإن ضربة البداية هي تشكيل لجنة تحقيق دولية، تتقصى وتحقق في كل تفاصيل هذه الجريمة المركبة، بما في ذلك المذابح التي جرت في دارفور، ومن ثم يقدم المتهمون إلى العدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية، على ذات النسق الذي تم مع قادة الصرب في حرب البلقان. أما أي حديث عن العفو أو العدالة الانتقالية فيظل محكوما بالقانون الدولي الذي ينص على إنصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب. ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن مستقبل قادة الجيش ودوره، ومستقبل قوات الدعم السريع. فبالنسبة للجيش، المسألة مرتبطة بالإصلاح العسكري والأمني، كعملية سياسية في المقام الأول تحكم وتقود العمليات الفنية ذات الصلة، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في مقالنا القادم. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فلا مجال سوى حلها وإلغاء قانونها، والتطبيق الفوري لإجراءات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بالنسبة لأفرادها ما دون المستويات القيادية، ولا يتم استيعاب هؤلاء الأفراد في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى ومؤسسات الخدمة المدنية إلا وفقا لقانون وشروط الإلتحاق بالقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى، وكذلك قوانين وشروط الالتحاق بالخدمة المدنية. كما يتم البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية الشاملة بالنسبة لحركات الكفاح المسلح الأخرى، وانتقالها إلى الحياة المدنية، بما في ذلك تحول من يرغب منها إلى تنظيمات سياسية. وبالنسبة للاستثمارات والموارد الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فتتم تبعيتها للسلطة التنفيذية المدنية، وتستثمر لصالح إعمار ما دمرته الحرب ولتعويض ضحايا الحرب والمتضررين منها، ولتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية القوات النظامية الأخرى.
يتم التوافق على تكوين «مجلس الدفاع والأمن» أو «مجلس الأمن القومي» وفق قانون يحدد مهامه وصلاحياته التي من ضمنها إعداد سياسات الأمن القومي والسياسات المتعلقة بوحدة السودان وسلامة وأمن أراضيه، بشرط عدم التدخل في المسائل السياسية والتنفيذية، ورفع التوصيات الخاصة بذلك إلى مجلس الوزراء، لتعميمها على كل أجهزة الدولة. يقدم المجلس إلى السلطة المدنية التنفيذية التوصيات المتعلقة بتوجيه السياسة الخارجية والتعاون الدولي لتتوافق مع الأمن القومي للبلاد، ويشمل ذلك المعاهدات والاتفاقيات ذات العلاقة بالأمن الوطني. كما يشرف المجلس على عمليات الدمج والتسريح، وعلى الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها مع الحركات المسلحة، وينسق السياسات الأمنية في البلاد. يخطط مجلس الأمن والدفاع وينفذ برامج بناء وتطوير وتحديث القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن، والإيفاء باحتياجاتها وتأمين مواردها. ويتكون المجلس من رئيس الوزراء رئيسا، وعضوية كل من القائد العام للقوات المسلحة، وزير الخارجية، وزير المالية، وزير الداخلية، مدير جهاز المخابرات العامة، مدير عام الشرطة، ووزير الدفاع مقررا. ونستكمل، في مقالنا القادم، بتناول قضية الإصلاح الأمني والعسكري.
نقلاً عن القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.