حُريات أمريكية..!
الوصاية في أنصع صورها.. وفد أمريكي زار الخرطوم خلال اليومين الماضيين، لم يأتِ لمُناقشة أو مُفاوضات وأخذ ورد، لا، ما فعله الوفد الأمريكي سلّم الخرطوم مطلوباته التي تتعلّق بتعديل مواد في القانون الجنائي، المطلوب إزالتها أو تعديلها بما يتوافق والمواثيق الدوليّة، وفوراً وعلى أسرع وجه، وإلاّ…!
المواد القانونية التي جاء الوفد لفرض إزالتها، هي (152 – 125 – 126) وهي الزي الفاضح، الردة والإساءة للعقيدة.. ليس مطلوباً من الخرطوم كثير كلام، مطلوب فقط أن تستجيب وتقول لواشنطن (Done) خلال فترة زمنية مُحدّدة.
هذه المواد، دلق فيها حبر كثير، شد وجذب، رفض قاطع، ثم مُحاولة لإبداء الاستجابة، وعلى وجهٍ خاصٍ المادة (152) التي تحولت إلى أداة لإهانة النساء من جهة، ومصدر إيرادات من جهة ثانية.
حينما قدم حزب المؤتمر الشعبي، ما عُرف بـ “ورقة الحريات” في مداولات الحوار الوطني، والتي شملت تعديلات على هذه المواد التي تطلبها أمريكا الآن، بجانب تعديلات تخص صلاحيات جهاز الأمن الوطني، تعرض الشعبي لحملة شيطانية واسعة، تكالبت عليه هيئة علماء السودان مع جهاز الأمن، واُختزلت كل التعديلات في “زواج التراضي” الذي أخذ بُعداً شعبياً أسهم في نجاح الحملة.
الأمن أدار المعركة بدهاءٍ، وحتى يُجهض التعديلات التي تخص صلاحياته، نجح في حشد الشيوخ والعلماء ضد “زواج التراضي”، فترك الرأي العام يحوم حول التراضي، بينما أسقط هو التعديلات التي تمس صلاحياته.. وقد أدار المعركة بامتياز.. وانتهى الأمر إلى خسران الشعبي معركة الحريات.
لكن الذي يحدث الآن، هي ذات ورقة الشعبي التي رُفضت بعد حملات شيطنة منقطعة النظير، الآن الخرطوم عليها أن تُنفذ “ورقة الحريات” الممهورة بتوقيع أمريكا، بعد ما لفظتها.
أما كان الأحفظ لماء وجه الحكومة أن تقبل بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي دعت له، خاصة وأن مطالب مكررة وحملات مناهضة كانت هنا وهناك لإلغاء هذه المواد من قبل انطلاق الحوار الوطني.
الآن، الحكومة ستفعل ذلك صاغرة ستمسك القلم والعصا على رقبتها، وكان أمامها فرصة أن تتغيّر ذاتياً.
لا يبدو أن هناك خيارات أمام الخرطوم سوى الإذعان.. والأمر يبدو جلياً، أنّ الاتفاق تَمّ حول هذه التعديلات منذ فترة، فقط تريد الخرطوم إخراجه الآن “بما يرضي الله”.
ليس معلوماً مدى ردة فعل أيِّ تيارٍ مُتشدِّدٍ داخل السُّلطة أو في رصيفها.. لكن صورتنا تبدو بائسة ونحن نرفض أن نتغيّر ذاتياً ونقبل أن يحدث ذلك تحت الإكراه والوصاية
التعليقات مغلقة.