حمّور زيادة يكتب: عالم أندرو تيت
*أعلن الملاكم السابق واليوتيوبر الشهير أندرو تيت، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إسلامه. سادت فرحة مفهومة في أوساطٍ غالباً ما كانت تتفق مع كل ما يمثله تيت من أفكار، وما كان يحول بينها وبينه إلا أن ينطق بالشهادة.
*في زمنٍ انتشر فيه الوعي بالحقوق والمساواة إلى حد ما يبدو أندرو تيت كمناضل متمرّد على الواقع. الرجل الذي اشتهر بلقب “ملك الذكورية السامة” جذب أكثر من 11 مليار مشاهدة على تطبيق تيك توك. وانتشرت أفكاره وكلماته المحرّضة ضد النساء والمعادية لهن بسرعةٍ يحفّها بريق المختلف وغير المعتاد في بعض المجتمعات، وتسعد بها مجتمعاتٌ تعتبر آراء تيت داعمة لموقفها من المرأة.
*في زمنٍ تمدّدت فيه الصوابية السياسية، حاول أندور تيت أن يظهر بمظهر المناضل الذي يتحدّى السلطة. يفخر تيت بأنه “كاره للنساء تماماً”. هكذا يقول. ويتحوّل، في أعين كثيرين إلى بطل، لأنه جهر بما يخشون قوله، فالحركة النسوية استطاعت، عبر نضال طويل، أن تجعل الميسوجينية (كراهية النساء) وصمةً لا تختلف عن العنصرية. لكن تيت يُسعد الذكوريين بتحدّيه كل مكاسب الحركة النسوية، ويخرج لسانه في استخفافٍ لكل قيم المساواة. بل يعتبر تيت أن الرجل أصبح مظلوماً ومخنّثاً في زمن المساواة.
*يقول الرجل ما يؤمن به كل ذكوري في أي مجتمع. يعبّر عن كل من شعر بالتهديد لأن امتيازاته الجندرية لم تعد مقدّرة. لم يعد مميزاً لأنه رجل. لم يعد المفضّل لدى الأديان، والذي تدور حوله الحياة، ووجدت المرأة لترضيه وتخضع له وتشبع رغباته.
*هذا زمان شديد القسوة على الذكوريين. لذلك كان تيت، الأميركي البريطاني من أصل أفريقي، صاحب الشهرة الواسعة، هو صوت الذكوريين الذين يدّعون أنهم لا صوت لهم… بحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة، 45% من النساء أبلغن أنهن، أو نساء أخريات يعرفهن، تعرّضن للعنف. أما في الإنترنت، فقد تعرّضت 85% من النساء على مستوى العالم للعنف الرقمي. أما داخل البيوت، تعرضت 35% من النساء للعنف الجسدي أو الجنسي من شريكهن، زوجاً كان أو حبيباً.
*تقول تقارير منظمة الصحة العالمية إن ثلث النساء تقريباً في العالم ما بين عمر 15 سنة و49 سنة تعرّضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك. وتبنّت الأمم المتحدة، في مارس/ آذار الماضي، توصياتٍ لاعتماد إحصاءات عن جرائم الشرف والجرائم التي تستهدف النساء بسبب النوع، فرغم انتشار هذه الجرائم إلا أنه لا توجد إحصائيات دقيقة عنها. ولكن بحسب آراء أندرو تيت، يضطهد العالم الرجال لصالح النساء. ويعتبر تيت أن المرأة ضحية الاغتصاب تتحمّل مسؤولية الجريمة التي حدثت لها.
*من المدهش متابعة كيف تصرخ الذكورية المسمّمة مدّعية المظلومية في عالم شبه خاضعٍ لها، احتجاجاً على انتشار الوعي الحقوقي، رغم استمرار سيطرتها. شيء يشبه انزعاج اليمين الأبيض المتطرّف والنازيين الجدد، خوفاً على امتيازاتهم، فالعالم الجديد الذي يبشّر به الوعي الحقوقي هو عالم ظالم في نظر أصحاب الامتيازات. يحلم أندرو تيت بالزمن الذي كانت النساء يجلدن فيه بالسياط من دون عواقب، تماماً كما يحنّ النازيون لزمن المحارق والتطهير العرقي.
*ولأن اندرو تيت يتبنّى هذه النزعة المنحرفة للمظلومية، فقد صرّح إنه يتوقع حدوث مؤامرة للتخلص منه وإخماد صوته. لذلك ما كادت الأجهزة الأمنية تلقي القبض عليه بعد شهرين من إعلان إسلامه بتهمة الاتجار بالبشر، حتى اندفع الآلاف من متابعيه ومؤيديه لتعزيز نظرية المؤامرة، والزعم أن كاره النساء تعرّض لفرية تهدف لقمع أفكاره، وتعاقبه لأجل إسلامه.
*يسترعي انتشار خطاب أندرو تيت المهين للنساء التفكير في كمّ “الميسوجينية” المختفية تحت سطح التحضر والمدنية، فإذا كان رجل واحد جذب هذا القدر من الأنصار والمؤيدين لخطاب كراهية واضح لا يستتر ولا يتخبأ، فإن مستقبلاً مرعباً ينتظرنا إذا تقدم المعجبون به، ليحاربوا المساواة ويدشنوا عهداً جديداً من كراهية النساء والعنف ضدهن.
نقلاً عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.