منى عبد الفتاح تكتب: كيف تواجه أفريقيا صدمات التغير المناخي؟
*ما فتئت الدول الأفريقية تذكر بأنها لن تتحمل وحدها مسؤولية حدوث التغير المناخي وآثاره المتمثلة في موجات الجفاف والإجهاد الغذائي والمائي في ظل عجز الحكومات عن تلبية حاجة شعوبها، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عالمية وإقليمية ووطنية عاجلة وعملية، وتعزيز الطموح لمواجهة تغير المناخ.
*وفي السياق ذاته أكد رئيس المفوضية الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي موسى فقي أحمد هذا الشهر لمناسبة ذكرى إعلان تحول منظمة الوحدة الأفريقية إلى “الاتحاد الأفريقي” في التاسع من سبتمبر (أيلول) 1999 من 46 دولة، أن “الأولوية الآن بالنسبة إلى الاتحاد الأفريقي هي مواجهة تداعيات التغيرات المناخية على دول القارة” ضمن تحديات أخرى، مشيراً إلى أن “الحركة البينية في دول القارة لا تزال ضعيفة، وأن ضعف القدرة الإنتاجية في الزراعة والطاقة تسهم في عزل القارة”.
*وعلى رغم مواجهة “الاتحاد الأفريقي” منذ تأسيسه لكثير من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن بروز أزمة التغير المناخي عكست الإخفاقات المؤسساتية لدوله، وقد انتهج “الاتحاد الأفريقي” سياسة مواجهة هذا التحدي وآثاره في شعوب القارة بوضع العديد من المبادرات والاستراتيجيات، وأهمها استراتيجية تغير المناخ لعام 2014.
*وباعتبار كثافتها السكانية العالية فإن أفريقيا تقع في نطاق مهدد بالشح المائي وتتعرض إلى تداعيات سلبية للتحول المناخي، بسبب اعتمادها على الزراعة على رغم كثرة مواردها الأخرى، مما يؤثر في وفرة الغذاء والأمن القومي لدولها.
*وقال مدير مركز أبحاث المناخ والطاقة في نيروبي محمد أداو، “كانت أفريقيا من الجهات الأقل تأثيراً في التغير المناخي، إلا أنها ستواجه أشد العواقب، وهو أمر غير منصف على الإطلاق”.
*وربما يفتح مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب27” المقرر انعقاده في مصر خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل الفرصة لأفريقيا، “للتعبير عن أولوياتها وتقديم مطالبها في ما يتعلق بتغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والحصول على تمويل مناسب من خلال مرفق مخصص لأفريقيا، واعتماد جدول أعمال تحويلي للتكيف المشترك بين القطاعات وتعزيز مفهوم الانتقال الشامل العادل”.
*وهذا يقود إلى الجدل المثار حول مفهوم “العدالة المناخية” الذي تتمسك به الدول الأفريقية، بأن أزمة المناخ لا تؤثر في الجميع بالتساوي.
*ومع أن إسهام أفريقيا في هذه الأزمة قليل ولا يتساوى مع التأثيرات السالبة وإطلاق الانبعاثات المرتفعة نتيجة للنشاط الاقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة، لكنها تواجه أضراراً كبيرة مما يجعل العالم الغني مديناً لها وللبلدان النامية، مما يتطلب إسهامه في دعم جهودها لمواجهة آثار تغير المناخ.
*وفي مؤتمر القمة المعني بالتكيف مع تغير المناخ في أفريقيا الذي انعقد في روتردام بهولندا في الخامس من سبتمبر (أيلول) الحالي، ذكرت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاترين كولونا أن “الدول الأفريقية من بين الدول الأشد ضرراً من آثار تغير المناخ، وهي كذلك من الدول الأكثر شباباً في العالم، ولذلك فلديها حاجات وتطلعات معينة ينبغي أن نساعد في تلبيتها، وإذا كان هناك شركاء فسنستثمر بوسائل مخصصة لهذا الغرض، إذ إن مواردنا المكرسة للتنمية ستواصل تزايدها”.
*وأعلن الدعم المالي الذي تقدمه فرنسا “لمشروع تسريع وتيرة التكيف في أفريقيا بحوالى 10 ملايين دولار ضمن 6 مليارات دولار مخصصة سنوياً لتمويل مكافحة تغير المناخ في البلدان النامية”.
*وحذر تقرير صدر في الثامن من نوفمبر العام الماضي عن مؤتمر قمة المناخ “كوب26” من أن “الدول الـ 65 الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي في العالم، وعلى رأسها السودان، ستشهد انخفاضاً في إجمال ناتجها الداخلي بمعدل 20 في المئة بحلول عام 2050، ونحو 64 في المئة بحلول 2100، إذا ارتفعت درجة حرارة العالم 2.9 درجة مئوية”.
*وفي حوار سابق لوكالة الأنباء الرسمية في السودان (سونا) مع المدير الوطني لمشروع تمويل التصدي لأخطار المناخ راشدة حسن دفع الله قالت إن “معظم مناطق السودان جافة وصحراوية وتعاني محدودية الموارد المائية مع تربة منخفضة الخصوبة وموجات جفاف متكررة، سببها التغيرات المناخية وبعض الممارسات البشرية الخاطئة، مما جعل السودان يتسم بالهشاشة أمام الصدمات المناخية،ولذلك فإن موجات الجفاف القاسية هي من أهم الأخطار التي يواجهها، علماً بأن تتابع السنوات الجافة أصبح ظاهرة واضحة فيه مما يهدد الزراعة والرعي”.
*وأضافت دفع الله أن “موجات الجفاف تزيد هشاشة الموارد الطبيعية المتاحة، وينتج منها تناقص خصوبة الأراضي وبالتالي استمرار غياب الأمن الغذائي الناتج من تدني الإنتاجية وإنتاج الغذاء، لأن أكثر من 80 في المئة من السودانيين يعتمدون في غذائهم على الزراعة التي تشارك بحوالى نصف الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك على الرعي”.
*وذكرت الكاتبة الصحافية لينة ياسين “أن جهوداً محدودة بذلت لتعزيز الوعي بأخطار المناخ على الأمن الغذائي، وبسبب عدم الاستقرار السياسي فإن مؤسسات السودان عرضة للتغيير المستمر، لذلك لديها إسهامات محدودة في الاتفاقات متعددة الأطراف للمناخ مثل الاتفاق الهيكلي للأمم المتحدة للتغيير المناخي”.
*وأوضحت ياسين أن السودان “يحتاج إلى البدء في مبادرات لتحقيق الأمن الغذائي بزراعة الأحزمة الخضراء وخلق مناخات محلية ملائمة، وتطوير الزراعة العضوية والمروية بالتنقيط، كما يجب توفير مياه الشرب في المناطق النائية باستخدام طلمبات تعمل بالطاقة الشمسية وتوفر الوقت وتمنح الأطفال الفرصة للالتحاق بالدارسة بدلاً من العمل في نقل المياه من الآبار إلى الديار، وتعزيز تمكين المرأة عبر دعم منظمات المرأة لرفع الوعي بأهمية دورها في التنمية وصناعة القرارات”.
*ويعد شح المياه أحد ملامح التغير المناخي، وقد بدأت آثاره تتضح في أفريقيا، من واقع صعوبة وصول كثير من المجتمعات النائية في دول القارة إلى المياه، إما بسبب هشاشة البنية التحتية أو التهميش الاقتصادي الناتج من مصاعب سياسية أو بسبب النزاعات المسلحة. وتتوقع بعض الدراسات أنه “بحلول عام 2025 سيواجه ما يقرب من 230 مليون أفريقي ندرة المياه، وسيعيش ما يصل إلى 460 مليوناً في المناطق التي تعاني الإجهاد المائي”.
*ويلعب شح المياه دوراً مزدوجاً، ففي وقت يصعب وصول السكان إلى المياه بسبب النزاعات الإثنية والقبلية والسياسية، تعد ندرة المياه أيضاً سبباً في نشوب النزاعات، ومنها النزاعات على المياه حول بحيرة تشاد وفي مناطق متفرقة من السودان على مناطق الزراعة والرعي التي تتوافر فيها مياه الأمطار والمياه الجوفية.
*وفي كينيا وإثيوبيا حالات عنف مماثلة بسبب الصراع على الموارد المائية، كما قتل أكثر من 167 في دولة مالي وفر أكثر من 50 ألف من منازلهم خلال أعمال العنف التي اندلعت عام 2019 بسبب شح المياه، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وتتوقع الأمم المتحدة انخفاض المحاصيل الزراعية بنسبة 20 في المئة كل عقد بحلول نهاية هذا القرن في بعض أجزاء منطقة الساحل الأفريقي، وبروز أزمات أخرى قد تؤدي إلى نزاعات دولية مثل أزمة سد النهضة بين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر من جهة أخرى.
*كما فاقم النزاع حول المياه أزمة النزوح، إضافة إلى جفاف بعض البحيرات والأنهار الأفريقية التي كانت توفر المياه للمجتمعات المحلية حولها، وهو جزء من الأزمة العالمية التي جاءت في تقديرات الأمم المتحدة بأن “بعض آثار النزوح بسبب المناخ أصبحت محسوسة بالفعل في جميع أنحاء العالم، وأن ما معدله 21.5 مليون شخص حول العالم يتشردون بسبب الكوارث المفاجئة كل عام”.
*وهناك من يرى ضرورة اعتماد الدول الأفريقية على مصادر الطاقة المتجددة، ولكن تواجه هذا المقترح صعوبات عدم الاستقرار السياسي في معظم دول القارة، وصعوبة تكييف السياسات الاقتصادية، مما ينفر الاستثمارات الدولية، كما أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح جاء تقويمها الاقتصادي بأنها “غير جاذبة”، كونها لا تدر أرباحاً سريعة وكبيرة.
*وحثت منظمات الدول الأفريقية على “الاهتمام بالتمويل الذاتي عبر تخصيص موازنات قومية لتمويل مشاريع مواجهة التغير المناخي، وهو ما يتطلب تعظيم إيرادات الضرائب والمدخرات القومية واستثمارات الصناديق السيادية”.
*وهناك من يرى أنه يمكن للقارة الأفريقية التي تلمح بعض دول العالم إلى التضحية بها في خضم أزمة التغير المناخي، أن تحقق رؤية الخروج من عنق الزجاجة باستثمار الغاز الطبيعي المسال الذي برزت أهميته اقتصادياً وبيئياً، ويمكن أن تستخدمه بعض الدول وسيلة أمان سياسي واقتصادي وبيئي.
نقلاً عن اندبنت عربية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.