الدكتورعبدالوهاب الأفندي، صاحب مواهب كبيرة، وعلوم متعددة، من بينها (علوم الطيران)، لكنه يعتبر أحد الوجوه المشرقة التي قدمتها الحركة الإسلامية السودانية في مجال العلوم السياسية، والتعاطي مع الشأن السياسي، إقليمياً ودولياً، بعلم غزير، ومعرفة وافية، واطلاع واسع، ودراية تامة. وعلى الرغم من كونه أحد القيادات التي نفذت أجندة وخطط وسياسات إنقلاب الإنقاذ في فجره الباكر، واستمر لبضع سنوات، إلا أنه، بعد أن خرج من منظومة الحكم، ظل يكيل لإخوانه بمكاييل مغايرة، ويعمل على تسويق نقائص وأخطاء الحكومة، مع براعة في تعظيم وحشد هذه النقائص والأخطاء، وتسويق القبح ليس سواه، إذ لا تجده طوال عشرين عاما يكتب سطراً واحداً عن حسنة واحدة، أو إنجاز واحد، بل يتضاعف كيله، للحزب، والقيادات والرموز، وبالاسم، وبالتجريح أحياناً كثيرة، وهذا منهج كثيرين، من كتاب الأسافير، إلا أنه من غير المناسب أن يكون منهجاً ثابتاً من أكاديمي مرموق، يفترض أنه ينصب ميزان التقويم، لا حكم التجريم المسبق الثابت المستمر، وهذا لعمري خلل ما نتوقعه من أستاذ متخصص في مقامه، ولكنه وطّنَ نفسه على ذلك، وركل دواعي الحياد الأكاديمي، وألغى، ثمّ ألقى، منهج (التعاطي المتوازن) جانباً، فلا يكاد يرى إلا قبحاً محضاً، فيما مضى، وفيما هو راهن، وفيما هو آت. وكل مقالاته تؤكد هذا المنهج المختل، الذي ـ كما سلف ـ لا يمكن قبوله من أستاذ أكاديمي متخصص، يُدرِّس معايير وأدوات التقييم، ويُطبِّقها في تعاطيه مع تقييم أداء الدول والحكومات، إلا حكومة بلاده التي كان جزءا منها في فترتها الأولى الباطشة.
في مقاله الأخير، تناول د. الأفندي عودة الفريق أول صلاح قوش مديراً لجهاز الأمن، ولأن زاوية النظر عنده مثبتة على رؤية القبح، ليس سواه، فإنه اجتهد ــ بغير توفيق ــ ليرى في عودة قوش خطوة سيئة، بل ردة، تعبِّر عن انتكاسة، وتدوير للفشل، كيف وصل لهذه النتيجة؟ اجتهد (الأكاديمي المرموق) ليقدم رؤيته حول قوش، من خلال سيناريو ضعيف الحبكة، مادته تعود إلى سنوات الإنقاذ الأولى، أبان فيه، أن قيادات الأمن، كانت منقسمة إلى تيارين، الأول يقوده الفاتح عروة وعثمان السيد وبعض ضباط عهد نميري، ومعهم كوادر من الإسلاميين، مثل سيف الدين محمد أحمد، وهؤلاء يجدون السند من د.الترابي، والرئيس البشير، ويدعون إلى الانفتاح على أمريكا، بينما التيار الآخر يقوده د.نافع، وصلاح قوش، ويسندهم علي عثمان، وهؤلاء يقوم منهجهم على القمع والكبت وعدم الانفتاح الخارجي.. وهذا التيار هو الذي انتصر!! هذه حبكة سيئة، رديئة، يصعب تصديقها من أبسط قاريء، أولاً لم تتبلور تيارات بهذا النوع الذي ذكره الأكاديمي المرموق، ثانياً يصعب تصديق أن هؤلاء انتصروا على تيار تسنده أعلى سلطة تنفيذية، متمثلة في السيد رئيس الجمهورية، وتسنده كذلك أعلى سلطة سياسية (الأمين العام) وروحية (الشيخ نفسه)..! كيف انتصر تيار المقدم قوش وقتها؟ ثم إن القاصي والداني يعرف أن قوش ـ لاحقاً ـ هو الذي عمل على تحديث الجهاز في كافة المجالات، من ضمنها مواكبة سياسة الانفتاح، كما أنه الوحيد من بين قيادات الإنقاذ الذي نجح في إحداث اختراق خارجي بحجم كبير، مكّن من خلخلة الكبت العالمي للنظام، وهو الوحيد الذي استطاع أن يهبط في ضيافة الحكومة الأمريكية، ويفتح معها قناة اتصال وتواصل فعال، وقد استطاع، بتلك المجهودات المعروفة، تجنيب السودان مصير القصف و(الدك) الذي حدث لأفغانستان بعد أحداث سبتمبر كما هو معلوم.. فعن أي شخص يتحدث؟ قوش هو الذي جرد أفراد وضباط الجهاز من أية حصانة في حال ثبوت قيامهم بجرائم قتل أو نحوها، ليحاكموا في محاكم مدنية، وقد أدين كثيرون بتهم القتل، دون أن يكون الجهاز نصيراً لهم في مواجهة التهم. وهو الذي أسس وحدة للاستعلامات، تستقبل شكاوى الأسر واستفساراتهم عن أي سجين أو معتقل، بعد أن كان الشخص المعتقل (مبني للمجهول) بل هو الذي جعل الجهاز يواكب حركة التطور السياسي من حوله، فاختلف منهجه في الاعتقال والتحفظ، وحدد ذلك بمدد قانونية، مواكبة لجهد د.الترابي ولجنة الدستور في 1998م، هذا هو صلاح قوش الذي حينما كان في كامل عنفوانه وسطوته، أدخل (رموز النضال والمقاومة من أهل الفن) في مباني جهاز الأمن، لامعتقلين، بل رياحين، ينثرون الفرح ويعطرون الأجواء في معاقل البطش المعروفة، وقد كان في مقدمة هؤلاء الفنان الكبير محمد وردي. وفي تلك الفترة، تعاظم اجتهاد الدولة في مخاطبة الطيف المهني والأكاديمي للمغتربين، بغض النظر عن انتماءاتهم، وقد كنت أحد المشاركين في مؤتمر الإعلاميين في الخارج، الثاني، الذي انعقد في عام 2009م، والذي كان مناسبة للمكاشفة بين السلطة والإعلاميين بالخارج، وكان الجهاز في عز قوته، يفكر بمنهج الانفتاح لا الانغلاق. وقوش حينما كان في قمة قوته وسطوته، أخذ نائبه محمد عطا، ليزور الراحل محمد إبراهيم نقد، سكرتير عام الحزب الشيوعي، في (مخبئه!) وفي ذلك رسالة تسامح رفيعة، تبدد الصورة الذهنية المترسخة عن بطش الجهاز! بل يقال إنّ الفريق قوش هو الذي سدّد فواتير انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في قاعة الصداقة في يناير 2009م،بعد أن تعثر قيام المؤتمر عدة مرات، ويقال إنه قدّم كثيراً يد العون والمساعدة لأكثر من زعيم تعثر، فأقال عثرته، ولا أشك في مثل هذه الروايات التي تشبه رجل مثل قوش، خيره متعدٍ، فهو الذي أسس منظمة بنجد الخيرية، التي جمع لها الأعيان، فجمعت الأموال، وأنفقت مليارات في تأسيس المراكز الصحية، والثقافية في منطقة نوري ومروي والقرير، فضلاً عن تأهيل المدارس، وتشييد المساجد، وإنشاء مراكز الشباب، ذلك قبل أن يكلفه أهل تلك المناطق بتمثيلهم في البرلمان، وتحت هذه المظلة، اجتمع قوش مع صديقه، نصير المستضعفين، وصوت الغلابة والكادحين والمعدمين، الشاعر الكبير محمد الحسن حسن سالم حميد، في خدمة أهلهم وقراهم البعيدة.
كان على الأكاديمي المرموق، دكتور الأفندي، أن يستصحب إشراقات ونجاحات وصفات الرجل القوي وهو يعود إلى قيادة جهاز الأمن، وكان يفترض أن يشير إلى أنّ صلاح كان وظلّ كبيراً، حين تعرض للكيد والدسائس ومن ثم السجن والاعتقال.. لم يتعامل بنفسٍ صغيرة، تحمل الحقد، وتتحرك بالضغائن (وليس زعيم القوم من يحمل الحقد).. فكيف قرأ الأكاديمي المرموق هذه الشخصية؟ وبأي زاوية كانت قراءته؟ يعود صلاح، وله في خدمة أهله أيادٍ وعرق.. يعود وهو الذي قفز بهذا الجهاز قفزات كبيرة، وأحدث فيه نقلات هائلة، وبمثابرة ووعي ونظرة مستقبلية بعيدة، خلق لهذه المؤسسة علاقات ممتدة مع دول الإقليم وكثير من دول العالم، وفي عهده، ومن خلال المسؤولية والواجب في حماية البلد، وفر المعلومات الدقيقة جداً عن حركة خليل، وأعمل كل مطلوبات اليقظة، بكافة الوسائل، منها بث التحذيرات، وما تبقى كان من اختصاص مؤسسة أخرى، لكنه، حين وقع العدوان، كانت قواته في الميدان، وكانت قيادة البلاد تتابع تطورات الموقف من غرفة الطواريء الحديثة التي وفرها صلاح، الذي ماعرف بالضعف، مطلقاً، لا في الاستشعار، ولا في التجهيز أو الإعداد، ولا في التنفيذ أو الأداء ، فما هي زاوية النظر التي قرأ منها الأكاديمي المرموق؟! يعود (القوي المتسامح) والرأي العام ــ من كافة الأطياف ــ قد استحسن عودته، ابتداءً من البسطاء، إلى فئات المجتمع المختلفة، من أهل الفن والسياسة والتصوف وغيرهم، يعود والظرف السياسي والأمني والاقتصادي في أمس الحاجة لمدير عام في وزنه، بعد أن تدحرجت الأوضاع وتغلغلت الأطماع، فما هي زاوية النظر التي قرأ منها الأكاديمي المرموق؟!
في الختام، أقول قولي هذا، والحمد لله، لا تربطني بصلاح أية علاقة، لا خاصة، ولا عامة، فقط استغربت من قراءة خاطئة مجحفة، لا أدري كيف توفرت لأكاديمي وطني مخلص ومرموق!

عاجل
- شرطة واشنطن: احتجاز المشتبه به في إطلاق النار على عنصرين من الحرس الوطني
- بارا في قبضة الجيش السوداني
- عاجل.. الجيش السوداني يسيطر على أم سيالة
- الجيش يسيطر على منطقة جديدة في السودان
- السودان..حشود للميليشيا وهجوم على فرقة عسكرية
- عاجل..دوي انفجار في محيط مطار بالسودان
- عاجل.. هجوم جديد على مدينة الفاشر
- عاجل..إسقاط مسيرات قبل وصولها لقاعدة جويّة في السودان
- عاجل..الجيش يتصدى لمسيرات في الخرطوم
- عاجل..مسيرات في الخرطوم

التعليقات مغلقة.