بابكر فيصل يكتب: مع سيد القمني (2)
*قلت في الجزء الأول من هذا المقال إنني تعرفت على كتابات الدكتور سيد محمود القمني في أواخر التسعينيات من القرن الفائت، وقد أتيحت لي فرصة لقائه عام 1998 بمنزله بالعاصمة المصرية، حيث أجريت معه حوارا تناول العديد من القضايا الفكرية.
*وتواصل حواري مع الدكتور القمني وسألته السؤال التالي: معلوم أن الباحث في إطار تعامله مع الظواهر الاجتماعية يستخدم مناهج في البحث تختلف باختلاف تلك الظواهر، وفي إطار تلك المناهج هناك العديد من المفاهيم التي يمكن استخدامها، ما هو المنهج أو المفهوم الذي يمكن أن تستخدمه في إطار تعاملك مع قضية المرأة في الإسلام، خصوصا في الأبعاد المتعلقة بالميراث والشهادة؟
*أجابني الدكتور قائلاً:
*هناك مستويان للإجابة على هذا السؤال، المستوى الأول هو مستوى الدستور القائم الآن في مصر. هناك نص في هذا الدستور يقول إن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة، وأنا أدعو فقط لتفعيل هذا النص ومع هذا حاكمتني الدولة لأنني أحترم دستورها وأؤمن به فقالت أنت تطالب بمساواة الرجل بالمرأة وهذا يتعارض مع القرآنّ!
*المستوى الآخر للإجابة يتمثل في مناقشة الفكرة على أرض الإسلام نفسها. أولاً: مرّ التوريث في الإسلام بثلاث مراحل تغيَّر فيها الحكم خلال حياة الرسول (ص) 3 مرات. كان الحكم الأول يقضي بالميراث لذوي الأرحام دون تحديد، ثم نُسخ ذلك بآية الوصية ثم نسخ حكم آية الوصية بآية ” للذكر مثل حظ الأنثيين”، فإذا كان الحكم قد تغير في زمن الدعوة فقط 3 مرات لدواعي تغيُّر الواقع، فمن الأولى أن يكون ذلك درسا للتغير مرة أخرى مع تغيُّر الواقع الجديد.
*ثانيا: يقولون في علم الفقه إن الحكمة من توريث المرأة نصف حظ الذكر هي أن الرجل يدفع مهرها ويكفلها عمرها ويعول أفراد الأسرة، وهناك قاعدة فقهية أخرى تقول إن العلة تدور مع المعلول وجودا أو عدما، فإذا زالت العلة دار معها المعلول.
*ثالثا: هناك الاجتهاد بعد توقف الوحي في هذا الأمر رغم قطعيته لأن هذه أحكام تتعلّق بمعاشنا المتغيّر ولا تتعّلق بالإيمان الغيبي، ولقد اجتهد الخليفة عمر بن الخطاب ليس فقط في أحكام، بل ألغى فرائض مثل إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم وتحريمه متعة الحج والنساء، ولا عصمة ولا قدسية للخليفة عمر ولا لشخص آخر ما دام الوحي قد انقطع فهو حجة علىَّ، وعلى الخليفة عمر بل أنا أتميّز عن الخليفة إن اجتهدت، لأنه لم يطلع على أصول الفقه في القرنين الثالث والرابع.
*وإذا قال البعض إن المرأة ناقصة عقل ودين بسبب الحيض الذي يمنعها من الصوم والصلاة فليس معنى ذلك نقص في إنسانيتها، فهذه ليست حجة تجعلنا نضعها نصف ذكر في الميراث والشهادة.
*ثم سألته: إذا واجهت الباحث والمفكّر إشكالية التعارض بين “الوطني” و “المقدس” وهي إشكالية واضحة في كتابك “رب الزمان”، فكيف يتم حل التناقض بين الموقفين دون ولوج دائرة الخيانة الوطنية أو الكفر؟
*فأجاب بالقول: أنا لا أنظر للقرآن بوصفه كتابا في الفيزياء أو التاريخ، إنما هو كتاب في العقائد والأحكام المجتمعية ومن هنا ألجأ للقياس على المعتزلة فهم قالوا بحكم العقل إذا تعارض مع نص، وأنا أقول بحكم الوطن إذا تعارض مع نص، ولكن كي يطمئن قلبي على إيماني أقول إن ما جاء من حكايا وقصص في القرآن حول تراث المنطقة الوطني أو القومي، والذي يتضارب مع أمانينا اليوم، كان له ظرفه التاريخي.
*لذلك أصر على مطالبة الناس بقراءته قراءة تاريخية ترتبط بسياق ظرفه الموضوعي آنذاك، وهو ما قدمت فيه كثيرا من الجهد والمشقة في أعمالي المنشورة كي أبّين أنه يمكن الحفاظ على الإيمان مع عدم وضعه وضع التعارض مع الوطن، وهذا واضح في كتابيّ “حروب دولة الرسول” و “رب الزمان”.. لقد كانت العلاقات بين الدولة الإسلامية الوليدة وبين العقائد المستقرة تتراوح إيجابا وسلبا.
*سؤال: ولكن ألا تتفق معي بأن قراءة الدين من خلال التحليل الاجتماعي والتأريخي بصورة مكثفة يؤدي إلى إضعاف مكون أساسي أو بعد جوهري في الدين، هو البعد الماورائي أو الميتافيزيقي الذي من دونه لا يصبح الدين دينا؟
*نحن نقرأ الدين ونتعامل معه منذ قرون بالمنطق الماورائي فهل إذا فتحنا مساحة بالمنهج التاريخي نصبح كمن يهدم الدين؟ نحن ندرس ما يمكن أن يدخل في إطار المنهج العلمي. طالما بقي الإسلام في ساحة الاعتقاد وحده يظل في مساحة الرأي والرأي الآخر مختلف حوله، سيظل الشيعي شيعي والسني سني، أي أنك عندما تضع الفريقين في ساحة البحث العلمي فإنك توحد بينهما وتدرسهما بحياد تام.
*سؤال: يقول أهل الإسلام السياسي إننا إذا كنا ننادي بفصل الدين عن السياسة باعتبار أنّ الدين يقوم على الثوابت والسياسة تقوم على المتغيرات فليست العلمانية الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك. الإسلام يقيم العقيدة على الثوابت ويتسامح مع العقائد الأخرى ويقيم السياسة على المتغيرات، ما تعليقكم؟
*هذا تلفيق وتزوير لسبب بسيط أنّ المعنى السياسي في كلمة الديمقراطية يعني المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو جنسهم. من أعطى طائفة الحق في أن تتسامح أو لا تتسامح مع طائفة أخرى؟ إذا كانت الكثرة العددية هي وحدها التي تعطي هذا الحق فإن الفهم السياسي الصحيح يعني أن الأقلية يمكن أن تنقلب إلى أكثرية، وأن الإنسان ينتقل من طائفة إلى أخرى وهذا غير وارد في الإسلام.
*الإسلام لا يسمح بالتعددية فهذا غش وتدليس، حتى يتمكنوا من الوصول للسلطة بالتفسير الذي يحملونه فهم يعلمون أنّ آية السيف قد نسخت كل آيات حرية الاعتقاد، بل أنه قد تمت أسلمة كل الديانات السابقة وتم إعادتها الى حجر الإسلام، ثم على مستوى احترام الإسلام فأنا أرى أن الإسلام قيم رفيعة إن خضنا بها في ألاعيب السياسة وتغيرها اليوم عن الأمس حسب المصالح والتاكتيك وبمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فنحن بذلك نهين الإسلام ونستخدمه اليوم لتحقيق أمر ثم نستخدمه غدا لتحقيق نقيض ذلك الأمر(انتهازية).. هناك ضرر كبير يلحق بالإسلام إذا أقحمناه في السياسة وأردنا في ذات الوقت تفعيل قيم الورع والزهد والتقوى، وإذا أردنا فعل ذلك فنحن الأخسرين.
*سؤال: القارئ لكتابك “النبي إبراهيم والتأريخ المجهول” يلحظ أنك اعتمدت كثيراً على تشابه الألفاظ بين أسماء الأماكن تاريخيا وجغرافيا وهو الأمر الذي قد يبعد الدراسة عن الاعتماد على أدوات البحث في علم التاريخ مثل الوثائق، والحفريات والآثار… الخ.. ما هو تعليقك؟
*المنهج اللفظي المقارن “الألسني” هو أحد المناهج العلمية ولا عيب في استخدامه ولكن العيب في استخدامه وحده، وأنا لا استخدمه بمفرده. أنا كتبت “النبي إبراهيم” في ظرف معيّن وهو تعرضي لحادث إطلاق نار، وأنا وليس غيري من اكتشف فيه أخطاء، اعترفت بها وصححتها في كتاب ” النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة”.
نقلاً عن الحرة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.