تقرير: باج نيوز
يبدو مفارقًا للواقع والخيال أن يجنح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المتوج بجائزة نوبل للسلام في العام 2019م لدوره في حل النزاع الحدودي مع إريتريا وتعزيزه عمليه السلام والمصالحة في بلاده، أن يجنح للحرب كخيار لإنهاء أزمة “داخلية” في إقليم تغراي فضلاً عن رفضه بحسب وكالات طلبًا من كينيا بإرسال مبعوث خاص للمساعدة في تهدئة الأزمة إلى جانب رفضه لمحاولة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك لدعوة لمناقشة أزمة تيغراي في قمة طارئة لمنظمة الإيغاد.
تطورات الأحداث
بتاريخ الخميس الـ 5 من نوفمبر أعلن رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، الحرب على جبهة تحرير شعب “تغراي”، شمالي بلاده.
وقال آبي إنه أعلن حالة الطوارئ في البلاد، بعدما أن قامت الجبهة بتجاوز الخط الأحمر، من خلال مهاجمة قاعدة قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية الواقعة في إقليم تغراي.
الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الأفريقي محمد مصطفى جامع يقول في حديثه لـ(باج نيوز) إنه رغم تصاعد التوترات والصراعات الداخلية في إثيوبيا خلال العامين الماضيين، لم يكن من المتوقع أن تنفجر الأوضاع إلى درجة إعلان رئيس الوزراء آبي أحمد الحرب على جبهة تحرير تيغراي TPLF التي تحكم الإقليم الواقع شمال البلاد، والتي أسست من قبل ائتلافً حكم إثيوبيا قرابة 3 عقود قبل أن تفقد السلطة الفيدرالية بصعود آبي أحمد رئيسًا للحكومة الإثيوبية مطلع العام 2018.
وكان رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد أشار في وقتٍ سابق إلى أن الأزمة في تيغراي تتعلق بوضع حدٍ للإفلات من العقاب وإنفاذ القوانيين الفيدرالية.
وأكد اليوم “الاثنين” إن بلاده لن تنحدر إلى الفوضى بسبب النزاع في إقليم تيغراي.
بالمقابل قال مستشار حاكم إقليم تيغراي عضو اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير تغراي قيتاشوا ردا في تغريدة لهُ على تويتر إن قوات الجبهة اسقطت مقاتلتين للجيش في يوم واحد، وأضاف: “تيغراي لم تشن حربًا إنها تدافع عن نفسها”.
وعلى خلفية الأحداث أجرى آبي أحمد تعديلات في الحكومة الاثيوبية ، شملت وزارة الخارجية، رئاسة هيئة الأركان، جهاز الأمن، مفوضية الشرطة، وكالة أمن شبكة المعلومات، وعين آبي أحمد وزير خارجيته غدو اندرقاتشو مُستشارًا لهُ لشؤون الأمن الوطني.
في ذات السياق يقول المحلل السياسي جامع إن المعلومات شحيحة جدًا عن ما يجري في إثيوبيا لجهة أن الحكومة الفيدرالية في أديس فرضت إغلاق تام على وسائل الاتصال لا مكالمات لا إنترنت وقال “ما هو متاح حتى الآن أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي متماسكة ومسيطرة على الوضع”، وأشار إلى أن هناك ضربات جوية قال آبي أحمد أنها استهدفت سلاح ثقيل في الإقليم لكن لم يرد أيّ تأكيد من مصدر مستقل.
تقاعس إقليمي ودولي
الكاتب والصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم قال في حديثه لـ(باج نيوز) إن الوضع من الجانب الحكومي يؤكد أن موقفه قوي وأنه في ذات اللحظة هنالك صمت من جانب الأقليم ولكن فيما يبدوا أن الحرب مشتعلة أكثر من اللازم ولابد من خاسر للجميع.
وحول التحديات يقول أنور: “تواجه الحكومة التي لها خلافات مع جبهات عدة وكذلك الأقليم الذي اتفق على أنه مذنب، ولكن تحدي الحكومة أكبر في ظل تأجيل الأنتخابات واعتقال السياسيين بصورة كبيرة”، وأضاف “هنا لابد من تدخل أقليمي ودولي لرأب الصدع وايقاف الحرب وما لم يحدث تدخل ستؤدي الحرب للقضاء على الأخضر واليابس في ظل انتشار كرونا التي أدت لتاخر اقتصاد اثيوبيا مثله مثل بقية دول العالم”.
وأضاف: المحاولات عبارة عن مناشدات فقط وأعتقد أن الجميع انشغل بالأنتخابات الأمريكية وتناسي الشأن الأفريقي ،واعتقد كان من الممكن ان يكون للأتحاد الأفريقي ادوارا كبيرة هنا ولكنه كالعادة متاخر ويتفرج على الوضع وقد يصحوا متأخرًا جدًا، وأن لم تتدخل أيّ دولة قد تتضرر ايضا المنطقة كلها حتى دول الجوار أريتريا والسودان وقد نشاهد جهات أخرى قد تتدخل لمساندة جهة على أخرى.
نزوح اللاجئين
ويهدف آبي أحمد من الهجوم العسكري إلى تغيير النظام القائم في إقليم تغراي بحسب جامع، ونوه إلى أن مآلات الوضع ستكون صعبة على السودان، وأشار إلى مخاوف من حرب أهلية شاملة وقال إن أبي أحمد لا يواجه إقليم تغراي فقط بل مشاكل داخل إقليمه.
وأضاف: “الأخطر على السودان هو أنهُ معرض لحركة نزوح كبيرة والوضع الاقتصادي لا يحتمل حتى مع اغلاق الحدود مع ولايتي كسلا والقضارف فالشريط الحدودي من الصعوبة السيطرة عليه بشكل كامل، وسيكون هناك تسلل عبر الحدود بجانب مخاوف من نشاط العمليات الارهابية”.
آثار اقتصادية
وحول الأثر الاقتصادي أوضحت الصحفية المهتمة بالشأن الاقتصادي رحاب عبد الله لـ(باج نيوز) أن أكبر المساحات الزراعية تقع في ولاية القضارف الشريط الحدودي للولاية، وأشارت إلى أنها أكثر المناطق انتاجية خاصة لمحصول السمسم على سبيل المثال منطقتي الفشقة الكبرى والصغرى التي خرجت منها أكبر المساحات الزراعية أبان التوترات الأمنية في يونيو ويوليو.
ونوهت إلى أن أثر الحرب يمتد إلى العمالة بحيثُ يعتمد المزارعين في تلك المناطق على العمالة من اثيوبيا وارتريا، وقالت إن الموسم يمر حاليًا بمرحلة مفصلية من حيثُ حصاد المحاصيل في المناطق التي تمت زراعتها و تعيق هذه التوترات عملية الحصاد.
وستشهد هذه المناطق بحسب رحاب تدفقات من اللاجئين المتاثرين بالحرب، وستشكل عبئًا على المزارعين ومهدد آخر للموسم فمن المرجح أن يقيم اللاجئين والعمالة في معسكرات المزارعين “الكنابي”.
قصة الصراع
يربط كثير من المحللين بحسب جامع انفجار الوضع في إثيوبيا بالانتخابات الأخيرة التي أجرتها جبهة تيغراي “وياني” في الإقليم الذي تحكمه شمال البلاد، إلا أن الخلافات والصراعات بينها وبين آبي أحمد بدأت منذ الأيام الأولى لحكم الرجل، فقد اتهمته في البداية بتهميش الائتلاف الحاكم سابقًا “الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية”، والاستفراد بالرأي في إدارة الدولة، ثم أخذ قيادات الجبهة يصرّحون بأن حملات مكافحة الفساد التي أطلقها آبي أحمد تستهدف بالأساس عرقيتهم وأنه لم يتم اعتقال وتوقيف قيادات من الأحزاب الثلاث الأخرى المشاركة في الائتلاف الحاكم سابقًا.
وبعد أشهر قليلة من انتخابه رئيسًا للحكومة، بادر آبي أحمد إلى عقد اتفاقية السلام مع العدو اللدود لجبهة تيغراي، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ما عمّق الخلاف، فأصبحت جبهة تيغراي أشبه بالحزب المعارض داخل الائتلاف الحاكم السابق، إلى أن طرح أحمد حزبه الجديد “الازدهار” ودعا الجميع للانضمام إليه، فوافق 3 من أعضاء الائتلاف بينما رفضت جبهة تيغراي المعروفة اختصارًا باسم “وياني” الخطوة، فقد كانت مهيمنة على الائتلاف السابق طيلة 28 عامًا وبذلك انتهت علاقتها بالسلطة الفيدرالية لتتراجع سيطرتها إلى معقلها التاريخي مقلي عاصمة إقليم تيغراي.
ويضيف جامع المهتم بالشأن الافريقي في حديثه لـ(باج نيوز) بعد تراجع جبهة تحرير تيغراي إلى مقلي، أصبحت الحزب المعارض الأكثر شراسة في إثيوبيا لما تمتلكه من خبرة سياسية وتنفيذية في إدارة الدولة.
التعليقات مغلقة.