باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

أبوذر الغفاري بشير يكتب: رد القضائية على الفاتح جبرا وتغييب المحكمة الدستورية

1٬768

صدر بيان من إعلام السلطة القضائية يرد على الكاتب الفاتح جبرا، حول مصير ومآلات الحكم بالاعدام على قتلة الشهيد أحمد الخير. وأوضح الاجراءات والمراحل التي تتطلبها سير القضية ويتعين أن تستنفذها حتى يكون الحكم قابلاً للتنفيذ. و أشار البيان إلى المحكمة الدستورية واعتبرها مرحلة من هذه المراحل حتى يكون الحكم بالاعدام (أمراً لازماً ولا سبيل لتعطيله من كائن من كان). والحق أن المحكمة الدستورية ليست درجة من درجات التقاضي وليست جزءاً من السلطة القضائية تنتهي إليها الأحكام لتأييدها أو رفضها. وقد فصل قانون الاجراءات الجنائية في أنواع المحاكم ودرجات التقاضي وليس من بينها المحكمة الدستورية، كما أن المركز القانوني السليم الذى تتطلبه اقامة دعوى حماية الحق الدستوري لابد أن يتعدى المصلحة المادية البحتة التي تشكل أساس التقاضى في الدعاوى العادية، إلى ارتباط وثيق بحق مقرر دستورياً تكون حمايته غاية في حد ذاتها، وهذا أمر معلوم في القانون بالضرورة وهو من باب العلم القضائي الذي لا يحتاج إلى إثبات حتى يمكن اعتماده.
ومن جانب آخر فإن وجود المحكمة الدستورية هو ضمان أساسي لحق الشخص المدان في محاكمة عادلة لا تنتهك حقوقه الدستورية . وقد بينت الوثيقة الدستورية في مادتها رقم (52) ضمن وثيقة الحقوق والحريات الحق في المحاكمة العادلة بصورة مفصلة باعتباره أحد الحقوق الدستورية التي يتعين مراعاتها، وحددت المعايير التي يتعين توخيها في هذه المحاكمة . وتعد المحكمة الدستورية هي المحكمة القيمة على ضمان هذا الحق. فتغييبها يعد إهداراً لضلع أساسي لضمان تحقيق المحاكمة العادلة.
ومن نافلة القول فإن المحكمة الدستورية هي أيضاً القيم على ضمان حصول الشخص المدان على محاكمة دون إبطاء غير مبرر في التهم الجنائية، حيث أن التأخير في تقديم المتهمين للمحاكمة أو تمديد إجراءات محاكمتهم دون أسباب مقنعة يعد انتهاكاً للحق الدستوري في المحاكمة العادلة، وقد أكدت الوثيقة الدستورية على هذا المفهوم في البند (52) المذكور فنصت على (يكون لكل شخص الحق في أن يحاكم حضورياً بدون إبطاء غير مبرر في أي تهمة جنائية وينظم القانون المحاكمة الجنائية). فوجود المحكمة الدستورية هو المدخل لإجبار السلطة القضائية على الاسراع في إجراءات محاكمة المتهمين وعدم الإبطاء فيها بدون أسباب مقنعة.
حددت الوثيقة الدستورية السبيل لتشكيل المحكمة الدستورية من خلال مجلس القضاء العالي، إلا أنه لم يتم تشكيل مجلس القضاء القضاء العالي رغم مرور أكثر من عام على التوقيع على الوثيقة الدستورية مما يعد فشلاً مخزياً في إقامة البناء المؤسسي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية. كما أن أجل قضاة المحكمة الدستورية قد انتهى في يناير 2020 ومرت عليه أكثر من ثمانية اشهر، دون أن يلوح في الأفق أي بوادر على إعادة تشكيل المحكمة المحكمة الدستورية، فقد كان من الضروري أن توجد خطة واضحة المعالم لإعادة تشكيلها حتى يمكن تجنب الدخول في فراغ عريض، بحجم أهميتها في مثل الظروف التي تمر بها البلاد.
وفي تقديري أن البيان الذي أصدره إعلام القضائية قد نبه بأعلى صوت إلى هذا الخلل في أضلاع تحقيق العدالة يما يوجب الانتباه له بأذن صاغية. فعدم وجود محكمة دستورية يؤثر بقوة على حقوق المتهمين في الحصول على محاكمات عادلة.
من الأحكام المبدعة التي إصدرتها الدائرة الدستورية بالهيئة القضائية هي قضية أسماء محمود محمد طه وآخر (ضد) حكومة السودان وتولى صياغة الحكم النهائي فيها مولانا زكي عبد الرحمن، وانتهى فيه إلى بطلان الحكم باعدام الاستاذ محمود محمد طه، وأورد حكم الدائرة الدستورية في عبارات يكاد يطفر الأسى من كل حرف من حروفها لعدم القدرة على استدراك النتائج التي ترتبت على تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود، بما يخالف الحق الدستوري في محاكمة عادلة فيقول في نعيه للمخالفات التي ارتكبتها محكمة الاستئناف العليا: (ورغم ما شابتها من مخالفات للقانون والدستور، فقد أصبحت حقائق في ذمة التاريخ ، تقع المسؤولية عنها سياسية في المقام الأول ، ولم يعد من الممكن استدراك كثير من النتائج التي ترتبت على كل ذلك، إلا ما بقى منها دون نفاذ، كما لم يعد من المتاح النظر إلى الوراء إلا لأغراض العظة والعبرة. فلم يعد من الميسور بعث حياة وئدت مهما بلغت جسامة الأخطاء التي أدت إلى ذلك ، تماماً كما أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل العثور على جثمان أخفى بترتيب دقيق). ولعل الوقت الذي نبه له حكم المحكمة الدستورية بضرورة العظة والعبرة قد حل، وهو ضرورة التأكد من حصول المحكوم عليهم على محاكم عادلة دون إبطاء و ضمان حقهم في اللجوء للمحكمة الدستورية لحمايتهم من أي انتهاكات دستورية. فلا نريد أن نرى مرة أخرى إزهاقاً لدم بغير القانون العادل والاجراءات العادلة بما فيها استيفاء كل حقوق التقاضي العادي والدستوري.
من الواجب الذي لا مندوحة عنه الآن الاسراع باجازة قانون مجلس القضاء الأعلى وتشكيل المحكمة الدستورية لتلافي الفشل في إقامة البناء العدلي وضمان حقوق المدانين في محاكمة عادلة بقدر قامة الثورة التي جعلت من محاكمة قتلة الشهيد أحمد الخير أمراً ممكناً.

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: