الخرطوم: باج نيوز
بين تحذيرات دولية من انهيار الدولة السودانية، وصوت سوداني رسمي يندد بـ”صمت العالم”، احتدم النقاش في منتدى الدوحة 2025 حول مستقبل السودان وفرص إحلال السلام فيه، وسط اتهامات مباشرة بدعم أطراف خارجية للصراع وتأكيدات بأن المأساة تتجاوز حدود النزاع المسلح إلى حرب نفوذ إقليمية تهدد وحدة البلاد ومستقبلها.
وفي جلسة بعنوان “السودان.. آفاق السلام ومستقبل الدولة” نظّمها منتدى الدوحة، جمعت مسؤولين أمميين وأفارقة وسودانيين، برزت تساؤلات حادة حول غياب الإرادة الدولية، وسبل وقف تدفق السلاح، ومن يملك القرار لإنهاء إحدى أكثر الحروب تعقيدا في المنطقة.
وشارك في الجلسة كل من وزير العدل السوداني عبدالله درف، ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، ومفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن السفير بانكول أديوي، والباحث في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية كاميرون هدسون.
وأعرب وزير العدل السوداني عبدالله درف عن استيائه العميق من تعامل المجتمع الدولي مع أزمة السودان، لافتا إلى وجود صمت مريب تجاه الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الدعم السريع. وأكد أن هذا الصمت شجع “المرتزقة” على المضي في ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات التي طالت المدنيين الأبرياء.
واعتبر أن ما وقع في مدينة الفاشر، وقبلها في الخرطوم وولاية الجزيرة وغيرها من المناطق، يشكّل دليلا واضحا على إخفاق المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه السودان، مؤكدا أن ما يتعرض له الشعب السوداني يمثل عدوانا غير مسبوق.
تدفق السلاح
من جانبها، قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو إنه بعد ثورة 2018، طُلب من الأمم المتحدة دعم الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الديمقراطي في السودان.
وأضافت “في عام 2021 عملت المنظمة الدولية بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد لمحاولة إعادة العملية الانتقالية إلى مسارها، لكن أحداث 2023 اضطرتها لمغادرة البلاد، ولم يعد لديها تفويض للعمل كما ينبغي، سواء ميدانيا أو بموجب قرار من مجلس الأمن”.
وأوضحت ديكارلو أن الأمم المتحدة واصلت العمل مع الأطراف الإقليمية، مشددة على أنها لا تحتاج إلى الظهور في مقدمة المشهد، لكنها تحتاج إلى أن تكون جزءا من الجهود القائمة. وأكدت أن المطلوب حاليا هو قرار واحد واضح وجاد، ووجود كيان قيادي واحد تنضوي تحته الأطراف الأخرى وتدعمه، مع ضرورة وقف تدفق السلاح.
وأضافت أنها لا ترى أن تعدد المبادرات يزيد الوضع سوءا، بل إن المأساة مستمرة والناس يموتون كل يوم. أما بخصوص إمكانية نشر قوات حفظ سلام قريبا، فقالت إن ذلك غير وارد حاليا لعدم وجود تفويض من مجلس الأمن.
دور الاتحاد الأفريقي
وردا على سؤال عن سبب عدم تفعيل الاتحاد الأفريقي المادة التي تمنحه حق التدخل لمنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإذا ما كان الذي يحدث في السودان غير كاف لتفعيلها، قال السفير بانكول أديوي إن موضوع العدالة يمثل محور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2025، معتبرا أن ما يجري في السودان يشكل “وصمة عار على ضمير أفريقيا والعالم بسبب حرب عبثية”.
وقدم أديوي 5 نقاط أساسية تلخص موقف الاتحاد الأفريقي تجاه الحل في السودان:
لا حل عسكريا في السودان.
ضرورة وقف التدخلات الخارجية.
رفض أي مسار يؤدي إلى تقسيم السودان أو تفتيته.
رفض تعدد المبادرات وتزاحمها.
عدم التسامح مع جرائم الإبادة أو الانتهاكات الجسيمة.
وبين أن التدخل قد يكون قانونيا، لكنه سيكون قسريا وقد يتسبب في مزيد من إراقة الدماء، لذلك يفضل الاتحاد عدم الانخراط في صراع مفتوح بلا مسار سياسي واضح، مؤكدا أن العمل جارٍ مع الجامعة العربية والإيغاد والأمم المتحدة للدفع نحو عملية سياسية يقودها المدنيون.
وعن تردد واشنطن في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد أطراف تشعل الحرب في السودان، قال الباحث كاميرون هدسون إن في السودان حربين: الأولى بين طرفي القتال على الأرض، والثانية حرب نفوذ إقليمية تتصاعد للسيطرة على مستقبل البلاد.
وأوضح أن الإدارة الأميركية تهتم بالحرب الثانية أكثر، لأنها تملك قدرة أكبر على التأثير فيها، معتبرا أن السودانيين لا يريدون من الرئيس دونالد ترامب الانخراط مباشرة في تحديد من يفوز أو يخسر داخل السودان.
وأشار هدسون إلى وجود فرق كبير بين التوصل إلى وقف إطلاق نار وبين إنشاء عملية سلام شاملة تشمل بناء الدولة وتحقيق المساءلة. وأضاف أن الإدارة الأميركية تركز حاليا على حلول قصيرة المدى، ولا تمتلك رؤية واضحة لمستقبل السودان.
جلسة واقع السودان في ظل الحرب على هامش منتدى الدوحة” (الجزيرة)
السفير السوداني بالدوحة بدر الدين عبد الله ينتقد موقف المجتمع الدولي من الوضع في بلاده (الجزيرة)
خطوة للمحاسبة
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، أكد السفير السوداني في الدوحة بدر الدين عبدالله أن بداية إنهاء الصراع في السودان تتمثل في وقف الدعم الخارجي المقدم لقوات الدعم السريع، معتبرا أن هذه الخطوة ستفتح الطريق نحو محاسبة هذه “المليشيات”، خاصة أن حكومة الخرطوم أغلقت فعليا أي باب للعودة إلى التفاوض معها.
وانتقد السفير السوداني موقف المجتمع الدولي -خصوصا الاتحاد الأفريقي- تجاه الأزمة في السودان، مبينا أن السودان عضو مؤسس في الاتحاد وكان من المفترض أن ينال دعما مباشرا.
ووصف الصراع في السودان بأنه واضح المعالم، داعيا مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية إلى تصنيف “مليشيا” الدعم السريع “منظمة إرهابية”.
واختتمت الجلسة بطرح الجمهور أسئلة عن فشل المجتمع الدولي في وقف تدفق الأسلحة، واستفادة أطراف خارجية من استمرار الحرب، إضافة إلى استخدام المجاعة كسلاح في الصراع.
وأجمع المسؤولون المشاركون على أن ما يحدث يعود إلى هشاشة التنسيق الدولي وفشل حماية المدنيين، مع التشديد على ضرورة وقف الحرب فورا، وإرساء مسار سياسي موحد، ورفض أي سيناريو يقود إلى تقسيم السودان.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.