باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

واشنطن بين اللعب على التوازن السياسي وتأجيج الصراع في السودان

545

الخرطوم: باج نيوز

في خضم الصراع الدامي الذي يعيشه السودان منذ أبريل 2023، تتصاعد التساؤلات حول الدور الحقيقي للولايات المتحدة في هذه المأساة الإنسانية–السياسية، بين اتهامها بتأجيج النزاع ومحاولاتها المتكررة لتمرير حلول سلمية تحفظ مصالحها على البحر الأحمر.

 

دعم غير مباشر لميليشيا الدعم السريع وتحالف صمود

 

بات واضحًا للمتابع أن واشنطن تقود تحركاتها الدبلوماسية بطابع مرن، يُمكن اختصاره في “تأجيج جزئي” للصراع بما ينعكس لاحقًا كمساومة سياسية. فالمجموعة الرباعية، التي تتكون من الولايات المتحدة، السعودية، مصر والإمارات، نجحت في استبعاد أطراف النزاع الحقيقيّة – الجيش السوداني (السلطة الانتقالية) وقوات الدعم السريع – من مشاركتها في أي حوارات جوهرية، مما أتاح لإدارة ترامب فرصة تمرير أفكار مبسطة لحلول لا تشمل الحقوق الحقيقية للسودانيين.

 

الفشل الواضح للاجتماع الرباعي في واشنطن ولقاءات خارج إطار الشفافية

أثناء تمشيط قوات موالية للجيش سوقاً في الخرطوم

كان من المقرّر عقد اجتماع رفيع المستوى في واشنطن يوم 30 يوليو 2025 تحت مظلة “الرباعية”، لكن هذا الاجتماع تمّ تأجيله للمرة الثانية بعد أن أفيد بأن خلافات شديدة حول طبيعة التمثيل وإشراك الأطراف السودانية الأساسية حالت دون انعقاده، وهو ما يعكس افتقادًا لمصداقية حقيقية في التهدئة أو الترتيب السياسي، حيث يعتقد الخبراء أن مصر والسعودية رفضا فكرة تمرير حلول جذرية للأزمة دون مشاركة ومصادقة السلطات الانتقالية للبلاد ممثلة في مجلس السيادة تحت قيادة عبد الفتاح البرهان.

 

بعد فشل الدعوة الرباعية، لجأت الولايات المتحدة إلى عقد لقاءات منفصلة مع القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي”. وبحسب مصادر قريبة من التحرك، فقد شارك ممثل عن تحالف “صمود”، الذي يُعد واجهة سياسية لقوات الدعم السريع، في أحد تلك الاجتماعات، مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

يقول الدكتور سالم البدوي، الباحث في العلاقات الدولية، إن السياسة الأميركية تجاه السودان تنطوي على رغبة جامحة في تمرير تسوية تؤمن مصالحها في منطقة البحر الأحمر—من حيث الممرات البحرية ومصالح الكيان السياسي—دون إحداث تغيير جذري في بنية السلطة السودانية، أو إشراك الفاعلين المدنيين والمطالب الشعبية.

 

ويكمن المعضلة، بحسب أميرة الصادق، أستاذة العلوم السياسية، في “أن واشنطن تدفع نحو مصالحة تحافظ على نفوذ قادة عسكريين مثل حميدتي، وتعيد تشكيل التحالفات السياسية بما يخدم استقرارًا شكليًا يؤمّن طرق المواصلات والتحكم الاستراتيجي دون أن يعيد للسودانيين حقهم في القرار”، والمقصود هنا تحالف صمود، حيث أعيد تشكيل هذا التحالف بعد بروز خلافات داخل تحالف “تقدم”، والذي كان يقوده كذلك رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

 

ذاكرة عسكرية، وضياع سياسي

 

ما يبدو واضحًا من خلال هذه التحركات، أن إدارة ترامب تعوّل، بشكل أو بآخر، على قوة الأمر الواقع؛ فعلى الرغم من الصفات المتناقضة بين البرهان (جيش وشرعية انتقالية) وحميدتي (قوة موازية شبه حكومية)، فإنهما يمثلان، تحت الضغط الدولي الغامض، القُطبين اللذين يمكن إقناعهما بتسوية جزئية تحفظ مصالح واشنطن في البحر الأحمر، على حساب مشروع بناء دولة مركزية مدنية مستقرة، أو على الأقل هذا ما تسعى الإدارة الأمريكية للوصول إليه من خلال الاجتماعات والتسويات التي تطرحها.

 

وبهذا السياق، تظل سياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمة السودانية محاطة بالتوترات بين الرغبة في تسوية سلمية ومراقبة مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر، إذ بدا واضحًا أنها لم تسعَ إلى حلّ يمثل الشعب السوداني أو يضيف للسلام عمقًا حقيقيًا، بل سعت إلى تمرير تسويات جزئية مع قادة عسكريين مثل البرهان وحميدتي، ودعمها لطرف النزاع المتهم بارتكاب جرائم ضد الشعب السوداني والتمرد على الدولة، ومحاولتها لتكوين تحالف بين قوات الدعم السريع العسكرية وتحالف صمود كحاضنة سياسية مدعومة من الغرب.

 

كما أدى فشل الدعوة إلى اجتماع “الرباعية” في واشنطن إلى عقد لقاءات منفصلة مع القائدين — بما في ذلك حضور ممثل عن تحالف صمود في اللقاء مع حميدتي — ما يعزز الانطباع بأن الإدارة تستهدف ضمان نفوذ سياسي وعسكري في المنطقة يُراعي مصالحها أولًا، حتى وإن كان ذلك على حساب المسار التفاوضي الشامل وبغض النظر عن المظالم الشعبية والأرواح المهدورة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: