تسارعت الأحداث في السودان، خلال الأسبوعَين المنصرمَين، بعد المكاسب الميدانية التي حقّقها الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع في أكثر من جبهة. وإذا كان ذلك يبدو نقطةَ تحوّلٍ في اتجاه إنهاء الحرب، فإن رفض عبد الفتّاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) التفاوض قد يعيد الأزمة السودانية إلى المربّع صفر.
كان لعدم التوافق السياسي، إبّان المرحلة الانتقالية، أثره البالغ في انجرار السودان إلى الاقتتال الأهلي المدمّر، ففي وقت كان يُنتظر فيه أن يفتح سقوط نظام عمر البشير (2019) الباب أمام مشروع وطني جديد بمشاركة القوى السياسية كلّها، أصبح المشهد السوداني أكثر استقطاباً أمام غياب خريطة طريق واضحة للقطع مع الإرث العسكريتاري، والتحوّل نحو الديمقراطية، وإقامة حكومة مدنية. وقد منح ذلك الجيش الذريعةَ للانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك، وإعلان حالة الطوارئ في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. لكن الخلاف سرعان ما دبّ بين قُطبَي الانقلاب، البرهان وحميدتي، بعد رفض الأخير اندماج قواته في الجيش، ليدخل الطرفان، منذ إبريل/ نيسان 2023، في حربٍ أهلية طاحنة.
بالطبع، أجّجت التناقضاتُ الإثنية والقبلية والاجتماعية والجهوية الحرب أكثر، وأعادت إلى الواجهة أزمةَ الاجتماع السياسي السوداني، فقد راهن الجيش وقوات الدعم السريع، ومن خلفهما القوى الإقليمية والدولية المساندة لهما، على توظيف هذه التناقضات واستخلاص عوائدها المالية والسياسية، بما يخدم تطلّعاتهما في السيطرة على مقاليد الحكم.
كانت هذه التناقضات بمثابة اختبارٍ لقدرة النُخب، التي تعاقبت على السلطة، على إدارتها والحدّ من سطوتها على الدولة والمجتمع، بما يسمح بالحفاظ على وحدة السودان، والحيلولة دون انفصال الجنوب، وتحقيق تطلّعات السودانيين في التنمية والكرامة والديمقراطية. في ضوء ذلك، تبدو الأزمة السودانية، في طوْرها الراهن، محصّلةً لإخفاق هذه النُخب، بمختلف تشكيلاتها المدنية والعسكرية، في مواجهة تحدّيات الوحدة والتنمية والديمقراطية، هذا من دون إغفال دور العامل الخارجي في تفاقم هذه الأزمة وخروجها عن السيطرة، وتحديداً في ما يتعلّق بتورّط قوى دولية وإقليمية في الحرب بسبب موارد السودان وثرواته، وموقعه الاستراتيجي بين البحر الأحمر ومنطقة الساحل ووسط القارّة الأفريقية. وفي هذا الصدد، كان لافتاً تحوّل روسيا من دعم قوات الدعم السريع إلى التعاون مع الجيش، بعد موافقة الأخير على إنشاء قاعدة عسكرية روسية في مدينة بورتسودان. ذلك أن من شأن حيازتها منفذاً استراتيجياً عند البحر الأحمر أن يعيد التوازن إلى نفوذها في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام بشّار الأسد في سورية.
لافتٌ أن يتزامن التقدّم الميداني للجيش السوداني مع حديث البرهان عن ”تهيئة الظروف لتولّي حكومة مدنية منتخبة مقاليدَ السلطة”؛ هل يتعلّق الأمر بتوسيع القاعدة الاجتماعية والسياسية والقبلية للجيش تمهيداً لإحكامه السيطرة من جديد على هذه المقاليد، وإعادة بناء معادلات القوة والنفوذ في السياسة السودانية، ولا سيّما بعد ارتكاب “الدعم السريع” مجازر بحقّ المدنيين في أكثر من منطقة، أم هناك قناعة متنامية داخل صفوفه ووحداته بضرورة تسليم السلطة للمدنيين؟
تتحمّل العسكريتارية السودانية قسطاً غير يسير من المسؤولية عما آلت إليه أوضاع البلاد على الأصعدة كافّة، فقد خلّفت الحرب عشرات آلاف من القتلى، وشرّدت ملايين الأشخاص، وأدّت إلى تدمير معظم المنشآت والمرافق الحيوية، فضلاً عن انتشار المجاعة وتردّي الأحوال الاقتصادية والمعيشية في عدة مناطق، وذلك في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها السودان.
على الرغم من أن الجيش حقّق مكاسبَ ميدانيةً لا يستهان بها في مواجهة قوات الدعم السريع، إلا أن تشابك الخيوط الدولية والإقليمية داخل المشهد السوداني، يجعل تخطّي مخلّفات الحرب وإعادة بناء السياسة السودانية، بشكل يقطع مع عدم الاستقرار السياسي الذي طبع تاريخ البلاد، أمراً في غاية الصعوبة، فالإقليم يشهد تحوّلات متسارعة. والسودان معنيٌّ، بدرجة أو بأخرى، بارتداداتها. وهو ما يزيد احتمالات الانقسام السياسي والاجتماعي، أمام ضعف الدولة وتفشّي النعرات العرقية والقبلية والجهوية، وغياب الحدّ الأدنى من التوافق الوطني.

عاجل
- الجيش يستعيد مجمع الصفوة غرب أمدرمان
- السودان..مسيرات تستهدف عطبرة
- عاجل.. البرهان يعود من السعودية
- عاجل..الجيش يستلم مصنع اليرموك
- السودان..تحرير جزيرة توتي
- فجرا..الجيش يسيطر على مواقع جديدة في الخرطوم
- عاجل.. الجيش السوداني يسيطر على القصر الجمهوري
- عاجل..أنباء عن مقتل المئات من نخب الماهرية الهاربين من القصر
- عاجل..مقتل المئات وتدمير عشرات العربات القتالية للمليشيا المتمردة في محاولة هروب من القصر الجمهوري
- ضابط بالجيش السوداني: تم فصل قوات مليشيا الدعم السريع وسط العاصمة وجنوبها
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.