* من المعلوم للكافة أن التقاضى الجنائي يتم بالمجان كل دول العالم، إذ لا توجد دولة تتقاضى رسوماً مقابل توفير العدالة لمواطنيها، لسبب بسيط مفاده أن المحافظة على أمن وسلامة المواطنين وتوفير العدالة لهم يعتبر من صميم مسئولية الدولة عبر أجهزتها الرسمية ( وعلى رأسها القضاء والنيابة والشرطة).
* من أوجب واجبات الدولة كذلك أن تجتهد لمنع وقوع الجريمة ابتداءً، واذا وقعت فمن واجبها أن تسعى إلى ضبط المجرمين ومعاقبتهم خدمةً منها للمجتمع والمواطن المتضرر من الجريمة، ولما كان من المستحيل على الحكومة أن تغطى كل شبرٍ من أراضي الدولة بالوجود الشرطي كي تحول دون وقوع الجريمة فقد أتاح القانون للمواطن ممارسة حق الدفاع عن النفس متى ما تعذر عليه اللجوء إلى السلطة لحمايته، فكيف يجوز للدولة التي قصرت في أداء واجبها أن تطلب من المواطن سداد فاتورة وظيفتها الأساسية؟
* لقد تطورت الدول من حولنا وأصبحت تخُفِّض رسوم التقاضى (المدني) كي لا يقف الفقر حائلاً دون توفير العدالة لطالبيها، وهناك دولٌ جعلت التقاضي مجاناً حتى في النزاعات المدنية والتجارية.
* نذكر ذلك على خلفية الرسوم الباهظة التي فرضتها حكومة الولاية الشمالية على التقاضي، وألزمت بها من يرغب في تحريك دعوى جنائية تتصل بشيك مُرتد لعدم كفاية الرصيد أن يدفع ما نسبته 2% من قيمة الشيك قبل فتح الدعوى في النيابة، وألزمت من يرغب في رفع أي دعوى قضائية بدفع مبلغ 10 آلاف جنيه، وفرضت 50 ألف جنيه رسماً على طلب التنازل في الجرائم المتعلقة بالمال، و20 ألف جنيه على طلب استلام المعروضات والهوامل وأوامر القبض، و50 ألف جنيه على طلب اعتماد تقارير المرور الصادرة لشركات التأمين، علاوةً على 100 ألف جنيه رسماً للاستئناف لدى النيابات وهلم دفعاً وجبايةً وشفشفة!
* حتى طلب استلام أي قرار من قرارات النيابة يتم إلزام المواطن بدفع عشرة ألف جنيه مقدماً قبل استلامه، فأي عدالة تلك التي تفرض على المظلوم أن يكشكش جيبه كي يحصل على حقه؟
* أقبح ما في هذه السابقة الخطيرة التي أقرتها حكومة الولاية الشمالية بعقلية (شيلوك المُرابي) أنها فُرضت على من قصَّرت الدولة في حمايتهم، وفشلت في أن تحفظ لهم أمنهم ودورهم وأموالهم وممتلكاتهم، فتحولوا إلى نازحين ولاجئين بعد أن شفشفهم المتمردون، وها هي حكومة الولاية الشمالية تضع الطوبة على المعطوبة، لتكمل الشفشفة التي بدأها (الأشاوس)، وتضاعف معاناة منكوبين لا يمتلكون قوت يومهم!
* حدثنى من أثق فيه أن مواطناً ذهب إلى النيابة لفتح بلاغٍ يسعى به إلى استرداد مبلغٍ حوَّله بالخطأ في حساب شخصٍ آخر وطالبته النيابة بسداد رسمٍ لا يتوافر له، فضرب كفاً بكف وقال كيف لا يسلط الله علينا الجنجويد إن كان هذا حالنا؟
* الإجراء الصحيح لا يتصل بإلغاء هذه الجبايات الضخمة المعيبة المخجلة، بل بمحاسبة ومعاقبة وطرد كل من سعى إليها وفكّر فيها وساعد على فرضها كي يصبحوا عظةً وعبرةً لأي مسئول حكومي يفكر في استغلال المواطنين ومضاعفة معاناتهم، وعلى رأسهم والي الولاية الشمالية عابدين عوض الله الذي أثبت أن (الأشاوس) فكرة، وأن عقلية (الشفشفة) ليست حصرية على (الجنجا)!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.