ركلة حرة مباشرة جاءت أمس من أقدام رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مرمى حزب المؤتمر الوطني. في ختام أعمال اجتماعات القوى السياسية في بورتسودان، ألقى البرهان خطابًا أثار تسونامي من ردود الأفعال في مختلف الاتجاهات. أكثرها ضراوة جاءت من الإسلاميين، المستودع الجماهيري للمؤتمر الوطني.
البرهان داس بأصبعه موضع الجرح فقال موجهًا خطابه للمؤتمر الوطني: “لا فرصة لكم لتحكموا البلاد على أشلاء السودانيين”، وقال أيضًا إن من يريد أن يقاتل خلف لافتة سياسية عليه إلقاء السلاح. ثم زادهم كيل بعير ففتح الباب لقبول القوى السياسية المتحالفة تحت لافتة “تقدم”. بل ذهب أكثر من ذلك و مدد العفو لمن يضع السلاح من الدعم السريع.
حديث البرهان أصاب الإسلاميين بصدمة لعدة أسباب، ليس من بينها كلماته المباشرة حول “عدم حكم البلاد فوق أشلاء السودانيين”. أهمها أن الإسلاميين ظلوا طوال الفترة الماضية يراهنون على الانفراد بترسيم الملعب السوداني لما بعد الحرب، أو ما يطلق عليه “اليوم التالي”. كانت دائمًا الأصوات التي تحاول استنطاق رؤى المستقبل ومناقشة المسار السياسي المفضي لترسيم الدولة وهياكلها بعد الخروج من النفق، تواجه بقوة لإسكاتها تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت البندقية”، رغم أن المسارين متوازيان: مسار العمل العسكري ومسار العمل السياسي.
وما يؤكد ذلك أن الحملات الإعلامية الموجهة ضد القوى السياسية المضادة للإسلاميين كانت أكبر من تلك الموجهة للتمرد نفسه، بما أثقل كاهل الخطاب العام بحمولات سياسية تضعف الإجماع القومي وتطيل عمر الأزمة.
ومع ذلك، لا أعتقد أن البرهان كان يقصد كل كلمة قالها أمس حرفيًا. هي موازنات اعتادها منذ تولى السلطة قبل ست سنوات. أن يرجح كفة الميزان السياسي تارة لهذا الفصيل وأخرى لفصيل آخر فيعلق الجميع في حبل “العشم” والانتظار المفتوح.
من الواضح أن البرهان لا يفكر في التخلي عن السلطة في القريب المنظور. وكل ما هو مطروح عن فترة انتقالية وانتخابات وغيرها هو استدراج زمني غير محدود بمواقيت محددة، والخاسر الأول هو الشعب السوداني لأن مجمل اللعبة السياسية تخلو تمامًا من المصالح والتخطيط للتنمية والنهضة.
حتى الآن قضى البرهان في الحكم 6 سنوات منذ أن صعد إليه في يوم الجمعة 12 أبريل 2019 بعد رفض الشارع للفريق أول عوض بن عوف. وهي المدة ذاتها التي قضاها الجنرال إبراهيم عبود في الحكم من نوفمبر 1958 حتى 1964. أنجز خلالها عبود مشروعات ضخمة في كل المجالات من المصانع التي لا تزال تعمل، والمشروعات الزراعية الكبرى مثل امتداد المناقل والبنى التحتية مثل طريق الخرطوم-الجيلي والخرطوم-مدني والجسور مثل شمبات وكوبر وخزان الدمازين ومستشفى الشعب بالخرطوم وغيرها كثير. بينما احتملت 6 سنوات البرهان أسوأ الكوارث التي أضعفت الدولة السودانية وأدخلتها في متاهة كبرى في بحور مظلمة من ظلام الـ”لا” استقرار.
خطاب رئيس مجلس السيادة البرهان، أمس، كان نقطة افتراق مع الإسلاميين.. حتى و لو بعد حين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.