عثمان ميرغني يكتب: فوق القانون..
فيزيائيا وبيولوجيا لا يمكن السفر من الأرض إلى أعالي السماء.. لا في ليلة ولا سنة ولا مائة ولا مليون سنة..
أقصى سرعة في الكون هي سرعة الضوء حوالي 300 ألف كيلومترا في الثانية الواحدة.. ولا يمكن لأي جسم أن يبلغ هذه السرعة اطلاقا حسب نظرية النسبية للعالم الشهير انشتاين.
النسبية تعني كلما زادت سرعة الجسم زاد وزنه.. وبالتالي احتاج لمزيد من الطاقة.. فإذا بلغ الجسم سرعة الضوء فإن كتلته تصبح لا نهائية و يتطلب بذلك طاقة لا نهائية وهذا مستحيل.
والأعجب من ذلك.. الأجسام إذا كان بامكانها أن تتحرك بما يفوق سرعة الضوء فهذا يعني قابلية العودة بالزمن للوراء.. أن يسافر الإنسان إلى الماضي.. و أن تظهر النتائج قبل الأسباب.. فيصبح الابن قادرا على العودة لزمن ميلاد والده.. ليمنع والده من الزواج بأمه.. مثلا.. وبذلك يمنع ميلاده هو شخصيا.
القرآن يروى قصة سفر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى القدس “الاسراء”.. ثم صعوده إلى السماء “المعراج”.. كل ذلك في ليلة واحدة.. مدة لا تزيد عن 10 ساعات.
المسافة بين مكة ومدينة القدس بالطائرة حوالي 1100 كيلومترا.. فإذا افترضنا جدلا أن جسما تحرك بما يعادل سرعة الضوء في الفراغ ” 300ألف كيلومترا /الثانية” فهو يقطعها في 0.000367 ثانية. وهو أقل من رمشة العين.
لكن حسب قوانين القيزياء لا يمكن ذلك لأي جسم..
ولو فرضنا أن الجسم تحول إلى كتلة ضوء ليحقق هذا الزمن المتناهي الصغر فتبقى رحلة المعارج.. إلى السماء السابعة.
الأرض عضو في المجموعة الشمسية.. والمجموعة الشمسية بدورها عضو في مجرة “درب التبانة” التي تعد واحدة من الاف باليين المجرات في الفضاء القريب منا..
إذا تحرك جسم من الأرض يحتاج إلى 26 ألف سنة ضوئية ليبلغ مركز “درب التبانة” فقط.. دون الخروج من مجرتنا الصغيرة في الكون الكبير.
أي يحتاج الرسول صلى الله عيه وسلم حتى و لو سافر بسرعة الضوء إلى 26 ألف سنة ليبلغ فقط مركز مجرتنا “درب التبانة”.. بعبارة أخرى ليقطع نصف المسافة للسماء الأولى فقط.
بعبارة أخرى يحتاج إلى 52 ألف سنة ضوئية ليبلغ سقف السماء الاولى.. فقط..
فكيف استطاع الرسول صلى الله عيه وسلم من مكة المكرمة.. في زمن لم تتوفر فيه حتى أقل وسائل النقل مثل الدراجة و السيارة فضلا عن الطائرة.. ويسافر كل هذه المسافات المستحيلة ثم يعود قبل شروق الشمس؟
تروي كتب السيرة أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم امتطى”البراق” في هذه الرحلة المعجزة.. و “البراق” مخلوق أقل حجما من الحصان وأكبر من الحمار، ووصفوا سرعته بأنه كان “يضع قدمه في أقصى مرمى نظره” وهو توصيف لسرعة الضوء.. فالنظر يعتمد على اسقاط الضوء على العين.. لكن حتى لو كان “البراق” يسافر بسرعة الضوء لا يمكن أن يبلغ هذه المسافة ولو بعد ملايين السنين، فضلا عن ليلة واحدة.
كيف قطع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة؟
رسم مسار الرحلة في مرحلتين ارتبطا بدلالات مكانية وزمانية “زمكانية”.. الأولى أفقية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. (1100 كيلومترا) .. ورأسية إلى السماء في موقع غير محدد “عند سدرة المنتهى” الآية “13 سورة النجم”..
لو ارتبطت أو انصاعت هذه الرحلة لأي من قوانين الفيزياء والفلك المعلومة أو حتى المجهولة لدى البشر، فإن أقصى ما تستحق أن تسجل في موسوعة “جينس” أو ينتج عنها اختراع جديد لمركبة فضائية أو غيرها من وسائل الانتقال الحديثة.
لكن سياق هذه الأمر كله خارج قوانين الطبيعة المخلوقة.. بل الحكمة في المعجزة هنا الخروج من نواميس الكون السابقة واللاحقة، وليس مجرد قصص يتداولها الناس بانبهار.
رحلة الاسراء والمعراج خارج الزمان والمكان اللذين يعرفهما البشر.. في زمان مختلف.. ومكان مختلف.. خارج سياق كل القوانين والطبيعة.
للعلم الانساني حدود.. يخترقها الايمان الغيبي.. ويتجاوزها..
الإنسان لا يجب أن “يعلم” فقط.. بل يؤمن.. فإذا قصر اداركه على العلم فهو “أعمى” لا يرى من الكون إلا شعاعا خافتا اقرب للعتمة.. ذرة من بحور الدنيا أو أدنى كثيرا.. لكن الايمان يفتح المعارف والادراك إلى مدى مطلق.. بغير حدود..
(قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) “50 سورة الانعام”
المسافة بين من يؤمن بهذا الاعجاز الخارق.. وما لا يؤمن… هي المسافة بين (هل يستوى الأعمى والبصير) ؟
الأعمى هنا من لا يرى إلا ما يراه في علمه.. والبصير هو من يرى أبعد من ذلك؛ بايمانه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.