رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني معزّ عباس يروي تفاصيل صادمة عن اعتقاله
الخرطوم: باج نيوز
كشف رئيس اتحاد ألعاب القوى السوداني، معزّ عباس، عن تفاصيل مؤلمة عن فترة اعتقاله بواسطة ميليشيا الدعم السريع.
وقال معزّ عباس في حواره مع وكالة المحقق الإخبارية، إنّ فترة اعتقاله كان قاسية وعانى فيها كثيرًا ..في المساحة التالية مزيدًا من التفاصيل.
*بدءاً نقول لك حمداً لله على السلامة، ولكن دعنا نبدأ من الأول أين كنت ساعة اعتقالك؟
كنت موجوداً في بحري ونعمل وسط سكان الحي في مساعدة الناس على توفير المياه وتجهيز التكايا، وقمنا بالعديد من المبادرات الإنسانية بصحبة بعض شباب العمل الطوعي، وربطنا سكان الحي بالداخل والخارج مع تلك المبادرات، وربما هذا هو الذي أزعج قوات التمرد.
*كيف تمكنوا من الوصول إليك؟
ذهبوا إلى منزل الأسرة بعدد ثلاث عربات، وحققوا مع شباب الحي وسألوا عني بالاسم، وهذا دليل على عدم معرفتهم بي ولا بمكاني بالضبط.
*هل كنت تقيم في مكان آخر؟
نعم، كنت في حالة تجوال دائم بحكم تلك المبادرات، وفي ذلك اليوم قررت مغادرة الحي والسفر إلى مصر لتلبية دعوة بصفتي رئيساً للاتحاد القومي لألعاب القوى، ومنها إلى باريس لتمثيل السودان، وجهزت حالي للسفر، وقد أخذتني سِنة من النوم في المنزل، وصحوت على وقع الاقتحام العنيف للبيت كما لو أنهم أرادوا اعتقال شخصية خطيرة، كانت القوة كبيرة ولا تتناسب مع حجم المهمة.
*مالذي حدث بعد ذلك؟
قاموا بتفتيش البيت بصورة فوضوية وأخذوا كل الأوراق التي تخصني، ثم أخرجوني إلى الشارع وأدخلوني إلى سيارة مظللة بالكامل، ولم أكن أعرف إلى أين سوف يذهبون بي، كنا مجموعة، وكانوا يقومون باستفزازنا وطلبوا منا قول “ميع .. مييع” كما لو أننا قطعان من الماشية. فقلت لهم ماذا تستفيدون من هذا؟ نحن بشر، ثم أدخلونا إلى عمارة بلا تهوية، وقد عرفت بعد أسبوع أنني في كافوري.
*هل كانت العمارة واحدة من معتقلاتهم؟
العمارة مملوكة لأستاذ في جامعة الملك فهد، وقد عرفت ذلك بالصدفة من الأوراق الملقاة على الأرض، كان معنا العديد من المعتقلين، نحو خمسة، أحدهم من الدروشاب.
*كم بقيتم في بناية كافوري؟
أسبوع، وبعدها نقلونا إلى بناية أخرى، الأولى كانت سيئة، وقد تحولت غرفها إلى حراسات تضج بالمساجين، في الغرفة الواحدة نحو عشرين إلى ثلاثين شخص.
*هل كانت تتوفر دورات مياه لكم؟
لم تكن تتوفر أي دورات مياه، فقط (جردل للشرب) وآخر لقضاء الحاجة، بصورة مهينة وعلى مرآى من الناس، كما أنه لا توجد وجبات مفيدة ولا منتظمة، ممكن يوم تجد ما تأكله وفي اليوم الثاني لا يتوفر أي طعام، ولذلك أوضاع المساجين الصحية سيئة بسبب الجوع وعدم توفر العلاج، حتى لأصحاب الأمراض المزمنة، وقد مات كثير منهم داخل المعتقلات.
*من هو القائد المسؤول عن المعتقلين؟
المنطقة تابعة لواحد اسمه علي الوافي و ود ضيف الله، أظن واحد فيهم كان مسؤول الاستخبارات في بحري.
*من الذي حقق معكم وفي أي قضية؟
لم يكن تحقيقاً بالمعنى المتعارف عليه، كانوا يقومون بتجميع المعلومات ويسألوننا عن صحتها، وقد سألوني عن علاقتي بالتلفزيون، وبعد أن عرفوا أنني شخصية رياضية، وهنالك حملة تضامن واسعة ومبادرات لإطلاق سراحي تغيرت معاملتهم، وأنا شعرت بذلك من لغتهم التي كانوا يتحدثون بها معي.
*كيف كنتم تعرفون ما يحدث في الخارج؟
كنا فقط نتلقى المعلومات منهم أو من المعتقلين الجدد، أحدهم أخبرني بأنه رأى صورتي في الفيسبوك، وبعد شهر ونصف سمحوا لي بالاستحمام وتغيير ملابسي.
*هل بقيتم طوال تلك الفترة في بحري؟
بعد نحو شهرين نقلونا إلى الرياض، وهى أفضل من كافوري، ولكن أي موقع له سلبيات وايجابيات، وفي الرياض قضينا بقية الشهور الطويلة.
*من كان معكم في معتقل الرياض؟
فيهم ناس كانوا مسافرين وقبضوا عليهم في الطريق، وذلك بحجة أنهم مستنفرين، وفي طريقهم إلى شندي، أو عاوزين ينضموا للمقاومة الشعبية، وكثير منهم كبار سن ومرضى لم يحتملوا السجن، ولذلك حصلت مآسي هنالك.
*ما الهدف من وراء ذلك التحري؟
كانوا عاوزين يعرفوا خلفيات المعتقلين، مثلاً لو كان هنالك شخص طبيب أو يعمل في التلفزيون أو الاتصالات للاستفادة منه، وأذكر مرة في كافوري أخرجوني من الغرفة، وسألوني عن الضباط وناس الأمن والكيزان في الحي، وقلت لهم لا يوجد شخص من هؤلاء، جميعهم خرجوا ومن تبقى في الحي ليس لهم مكان ليذهبوا إليه، لذلك نقوم بخدمتهم، ولم يعجبهم ذلك الكلام.
*ماذا حدث بعد أن تم نقلكم إلى الرياض؟
بعد نقلنا مباشرة أدخلونا في بدروم عمارة، وهى عمارة تابعة لمؤسسة لها علاقة بجامعة الدول العربية تقريبًا، وكان في هذا المكان الضيق مجموعة كبيرة من المعتقلين في ظروف سيئة، بيننا موظفون وضباط في المعاش، ولم يكن بينهم من تم أسره في ميدان القتال، جميعهم خطفوهم من بيوتهم، أو أثناء التنقل، وقد رأيت في معتقل الرياض الفنان صفوت الجيلي، ولذلك الاعتقال كان يقوم على الاشتباه فقط.
*هل كانوا يسمحون لكم بأداء الصلوات؟
كنا نؤدي الصلاة، ولم نوقفها بالرغم من عدم توفر المياه، وكنا نقوم بالتيمم على الجدران، وكثير من المرضى لم يتحمل ذلك خصوصًا أصحاب الأمراض المزمنة الذين ماتوا بالإهمال أو نتيجة لمضاعفات، وحتى الأدوية التي وفروها لنا كانت منتهية الصلاحية، وبعض تلك الحالات كانوا يقومون بنقلها إلى الدور الثالث، وهو أفضل بكثير من البدورم، لوجود تهوية قليلة، لكن معظم الناس كانوا يرجون الخروج لأنه لم يرتكبوا جريمة ليبقوا في هذا الحبس غير القانوني، وقد لاحظت أنهم لو وجودوا في تلفونك صورة ضابط أو رسالة من نظامي تعتبر هذه جريمة بالنسبة لهم.
*ألم تحدث أي محاولة لاطلاق سراح المرضى أو حتى توفير العناية الصحية لهم؟
كانت هنالك مبادرة لإطلاق سراح كبار السن، بالذات المعاشيين لأنه لم يستفيدوا منهم، ومع ذلك لم تنجح تلك المبادرة، بعدها جاءت مبادرة أخرى بخصوص أصحاب الأمراض المزمنة، القلب والسرطان والفشل الكلوي والسكري والضغط وغيرها، وجاءت شهادة الأطباء بالموافقة على خروج عشرين شخص كدفعة أولى بالتنسيق مع إحدى المنظمات، وأنا كنت ضمن العشرين الأوائل.
*كيف بدأت ترتيبات إطلاق سراحك؟
_ بعد أسبوع أخرجونا بتوقيع القائد العام في المنطقة، وعرفت أن هذه المنطقة مسؤول منها عيسى بشري، وهو الذي وقع على القرار، وقد تأخرت المنظمة، وكانوا كل يوم يقولون لنا إن وفد المنظمة سوف يصل غداً، وقد استمرت المماطلة لأكثر من شهرين، وفي الفترة دي في ناس ماتوا حتى في الدفعة الأولى لأنهم أصحاب أمراض مزمنة، وكنا نتحدث مع الضباط بشكل متكرر.
*مالذي حدث بعد ذلك؟
كان هنالك أحد الضباط يداوم لوحده، وقد تحدثنا إليه في ذلك اليوم وقال لنا الأمر أصبح قريباً، وقد تفاجأت في الصباح بعسكري جاء وطلب مني الذهاب معه، فقال لي اليوم عندكم ثمانية أشخاص مفترض يطلعوا بالذات ناس الخرطوم، وكنت ضمن هذه المجموعة، ما بين مُصدق ومُكذب، وهذا الأمر استغرق دقائق معدودة، وأظن أنها دعوات الناس لنا، حيث يسر الله أمر خروجنا من تلك المعتقلات سيئة السمعة، والفضل لله من قبل ومن بعد.
*كيف تم نقلكم إلى منطقة آمنة بعد إطلاق سراحكم؟
جاءت سيارة واحدة وركبنا فيها وذهبت بنا إلى منطقة السوق المركزي، وهى عبارة عن موقف مواصلات، ومنها يمكن لك التحرك لأي مكان تريد الذهاب إليه، وأذكر أن الدفعة الأولى ارتفعت إلى عشرة لأننا أخبرناهم بوجود اثنين من كبار السن، أحدهم كان مصاب بالبواسير الحادة وآخر كان يعاني من أزمة في الصدر، وتبقى 5 أفراد من بقية العشرين، وهنالك 5 ماتوا داخل المعتقل.
*كيف كانت التجربة عموماً من ناحية نفسية؟
ما أصابنا أصاب كل الشعب، منهم من استشهد ومنهم من اعتقل ومنهم من أغتصبت، ومنهم من تم تشريده، وهي في النهاية ضريبة الوطن، قُدّر لنا أن ندفعها بهذه الطريقة، وكل ما يهمني الآن هو خروج بقية المعتقلين، وأعتقد أنني كنت من المحظوظين لأن هنالك من ماتوا داخل الحبس، وأغلبهم مواطنين، وحتى النظاميين كانوا في المعاش، ولذلك سوف أركز كل جهودي على عملية إطلاق سراح بقية المعتقليين، وأعدادهم كبيرة جداً.
نقلاً عن وكالة المحقق الإخبارية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.