عثمان ميرغني يكتب: جهاز الامن والمخابرات السوداني..
ما يحتاجه السودان أساسا بعد الحـ؛رب هو دولة القانون والمؤسسات.. لكن ذلك لن يتحقق الا بركيزتين مهمتين؛ الأولى التشريعات؛ والثانية : وسائل انفاذ القانون.
التشريعات؛ مقدور عليها ولدينا خبرات قانونية سامقة قادرة على انجاز ذلك حتى قبل الخروج من نفق الوضع الراهن.. وفي حال وجود مؤسسة تشريعية راشدة تستكمل دورة التشريع يمكن اجازة القوانين في أقل زمن ممكن.
أما وسائل انفاذ القانون؛ وهي المحك الرئيسي.. في تقديري على رأسها جهاز الأمن والمخابرات.. فهو الأداة الأنسب لضبط ايقاع الدولة السودانية الحديثة.. وقبل أن أطرح تصوري لهذا الجهاز الحساس، من الحكمة ازالة الهواجس التاريخية لما ارتبط بممارسات سابقة في عهدي نظام نميري ثم تفاقمت في عهد البشير و تكونت هواجس كثيفة حول تغول الجهاز على النشاط العام الرسمي والشعبي وسطوته في كبت وقهر الرأي الآخر.. لكن كل ذلك مقدور عليه بمنتهى السهولة.. فالعلة ليست في ما يتاح للجهاز من سلطات -مهما عظمت- بل في الرقابة على تلك السلطات.
النظام الأمريكي -وهو أكثر النظم في العالم فعالية- يستخدم مباديء توازن السلطات Checks and Balances .. أي منح السلطة لجهة.. وفي الوقت ذاته منح الرقابة على تلك السلطة لجهة مناظرة.. مثلا صلاحيات رئيس الدولة في اصدار قرارات معينة لكل بشرط أن يعتمدها الكونقرس.. والعكس.. قرارات يصدرها الكونقرس تتطلب اعتماد رئيس الدولة..
حتى مجرد قرار تعيين سفير في دولة .. يصدره الرئيس الأمريكي لكن يعتمده الكونقرس.
في مسألة جهاز الأمن والمخابرات الذي يخشاه الكثيرون هو صلاحيات الضبط والاحضار والاعتقال.. كونها كانت تسمح بتوسيع دائرة الاشتباه ثم التمادي في فترات الاعتقال خارج نطاق القانون.. وهذا تحديدا يتطلب نظرية “توازن السلطات”.. أن يكون من صلاحيات الجهاز الاعتقال وفق تقديراته لفترة محدودة حسب القانون.. و لكن بشرط أساسي هو أن يخضع ذلك لرقابة النيابة والتي يفترض أنها سلطة مستقلة بعد فصلها من وزارة العدل.. ثم من فوقها القضاء.
في دولة السودان الحديث؛ يمنح جهاز الأمن والمخابرات قدرا كبيرا من الاستقلال حتى لا يتأثر بتقديرات السلطة التنفيذية والسياسية.. فيعمل وفق خبراته و تفويضه بعيدا عن أي حسابات أخرى..
الصورة المثلى في ذهني هي جهاز المباحث الفيدرالية المركزية FBI في الولايات المتحدة الأمريكية.. هذا الجهاز سر نجاحه هو استقلاله عن السلطة التنفيذية.
و لمزيد من الاستقلال لجهاز الأمن والمخابرات من الممكن – في دولة السودان الحديث- أن يكون تعيين رئيسه من صلاحيات رئيس الجمهورية لكن اقالته من منصبه من صلاحيات البرلمان.. بما يعني أن الجهاز يتمتع بمساحة للحركة تجعل المناصب العليا بما فيها الرئاسة تحت عينه ورقابته.
يحتاج الجهاز أيضا لصلاحيات واسعة في رقابة الخدمة المدنية، خاصة في الشق الاداري و المالي.. حيث يتركز الفساد المُقِعِد للدولة السودانية والذي استشرى خلال عقود من الزمان حتى أصبحت القاعدة أن يكون الموظف العام فاسدا ومفسدا مسنودا بنظام يتستر على فساده بل يدعمه.. فتنشأ شبكات متناصرة من الفساد من أصغر موظف إلى أعلى درجة.. كل يحمي ظهر الآخر.
تصميم مؤسسات دولة السودان الحديث يجب ان يبدأ من الآن..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.