عثمان ميرغني يكتب: انقسام المؤتمر الوطني ..
من المؤكد أن لا أحد في الشعب السوداني تعنيه الأخبار المتداولة هذه الأيام بين جناحين من حزب المؤتمر الوطني اختصما على الورثة.. فالحزب سبق فيه القول الفصل صباح الخميس 11 أبريل 2019 ودون حاجة لمغالطة قانونية، فقد طويت صفحاته إلى ذمة التاريخ.. و الاستمساك به الآن محض محاولة من الذين كانوا في قيادته حتى سقط أن يقولوا لأجيالهم اللاحقة أنهم ما فشلوا ولكن الشعب السوداني هو الذي فشل بالثورة عليهم.
ولو عقلت قيادة الحزب فإن باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها.. بامكانهم أن يغلقوا الدفاتر القديمة.. يتجاوزوا الاسم القديم.. وما أوسع مفردات اللغة العربية التي تسمح بابتدار مكون سياسي جديد.. و تغيير الاسم وحده ليس كافيا لبداية جديدة ان لم يتوفر العزم والصدق في التغيير الحقيقي للمنهج و العقلية التي حكموا بها السودان 30+5 سنوات.
صحيح ثورة ديسمبر التي صنعها الشعب السودان بكل أطيافه بمن فيهم عضوية الإسلاميين أنفسهم فشلت في انتاج دولة.. لعجز مكونات قوى اعلان الحرية والتغيير عن فهم طبيعة المرحلة التالية للثورة و حتمية التحول من قيادة ثورة إلى بناء دولة.. ورغبة كثير من القيادات ايقاف عجلة الزمن في محطة الثورة استسهالا للشعارات والهتافات بدل العمل الجاد والفكر المرهق الخلاق.
لكن ذلك لا يمنح حزب المؤتمر الوطني حق إلغاء التاريخ واعتبار أن كل ما حدث مجرد “فاصل ونواصل”.. نواصل بكل التفاصيل.. بالقيادة ذاتها و الاسم ذاته .. والسياسات ذاتها.. بل وبالأخطاء نفسها.
لو كان لدى حزب المؤتمر الحد الأدنى من الرشد لاستفاد من السقوط بدراسة تجربته السابقة و استدراك مكامن الخلل فيها وتصحيح مسيرته.. ليس لمصلحته وعضويته فحسب.. بل من أجل السودان وشعبه أيضا.
بكل يقين إذا استطاع حزب المؤتمر الوطني اعادة انتاج حزب جديد قائم على تجربة عقود من العمل السياسي والتنفيذي بما أصاب فيه وما أخطأ… وقدم حزبا جديدا مسنودا بكل هذه التجربة و صبر على وعثاء المراجعة والتمحيص لكان ذلك في مصلحته ومصلحة البلاد..
لكن بكل أسف حتى هذه اللحظة يبدو حزب المؤتمر الوطني وكأنه وُلِد أمس.. بلا خبرة ولا تجربة ولا وعي بما يجب أن يكون عليه بعد كل هذه السنوات الطوال.
ويمتد الأسف لكامل المشهد السياسي .. أحزاب بلغ عمرها الثمانين سنة، مثل حزب الامة القومي.. لكن التفكير والمسلك السياسي لا يزال طفلا يحبو.. مظهرا وجوهرا.. فكرا و عملا.
مؤسسات حزبية ضعيفة للغاية.. و ساسة بخبرات متواضعة.. و هياكل تنظيمية هشة .. فكيف نصنع وطنا قويا .. ونظاما ديموقراطيا مستقرا بمثل هذه المكونات الحزبية؟
من الحكمة – طالما الحديث اليوم عن حزب المؤتمر الوطني- أن يدرك هذا الحزب أنه الاوفر خبرة -قياسا بغيره من الأحزاب- والأكثر عضوية وتنظيما ومالا و انتشارا.. ومن هنا يجب أن يفكر بعقل (كبير البيت).. أن لا يدخل في صراعات مع غيره من الأحزاب.. ولا يستميت في إقصائها.. بل ينظر إلى كل المكونات السياسية كما ينظر كابتن الفريق لبقية اللاعبين معه .. أن يعظم الايجابيات ويقلل السلبيات.. فالعائد النهائي للوطن السودان.. وليس لأي حزب أو قيادي..
أن يفكر ويعمل بمبدأ :
فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا.
كما قال الشاعر أبو العلاء المعري..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.