باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

ذكي بن مدردش يكتب: حرب السودان والسبيل إلى الحل

213

منذ أبريل (نيسان) 2023 يواجه السودان واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً وخطورة في تاريخه الحديث، إذ اندلعت حرب داخلية بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع  بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”. تأتي هذه الحرب في سياق انتقال سياسي هش أعقب إطاحة الرئيس عمر البشير في 2019، وتسببت في مقتل وإصابة آلاف وتشريد ملايين، إضافة إلى تأثيرها العميق في الاقتصاد والنسيج الاجتماعي في البلاد.

خلفية الأزمة

بدأت الأزمة حينما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، التي كانت تشكل قوة شبه عسكرية خلال فترة حكم البشير، وتحولت لاحقاً إلى قوة موازية للجيش بقدرات عسكرية كبيرة ونفوذ واسع. تفاقم الخلاف بين القوتين حول مسار انتقال السلطة للمدنيين وإعادة هيكلة القوات المسلحة، وبخاصة دمج قوات “الدعم السريع” في الجيش، مما أدى إلى انفجار الصراع العسكري بينهما.

تداعيات الحرب

أسفرت الحرب عن كارثة إنسانية واسعة النطاق، إذ تسببت في مقتل آلاف ونزوح أكثر من 4 ملايين شخص داخل السودان وخارجه، وتعاني البلاد نقصاً حاداً في المواد الغذائية والأدوية والوقود، وانهارت البنية التحتية في عدد من المدن، بما في ذلك العاصمة الخرطوم التي شهدت أعنف المواجهات. كما تعرضت المؤسسات الصحية للتدمير، مما أدى إلى انتشار الأمراض وارتفاع معدلات الوفيات.

وكان التأثير الاجتماعي كبيراً أيضاً، إذ تسببت الحرب في تفكيك النسيج الاجتماعي وزيادة الانقسامات العرقية والقبلية، كما تفاقمت أزمة الثقة بين المواطنين والقوى السياسية والعسكرية، مما يزيد صعوبة تحقيق المصالحة الوطنية.

كما تأثر الاقتصاد السوداني بشكل بالغ نتيجة الحرب، إذ توقف الإنتاج الزراعي والصناعي في عدد من المناطق، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية والمحلية، كما انخفضت قيمة الجنيه السوداني بشكل حاد، مما أدى إلى تضخم كبير وانخفاض في القوة الشرائية للسكان، إضافة إلى ذلك أدت العقوبات الدولية التي فرضت على بعض القادة العسكريين إلى زيادة عزلة السودان الاقتصادية.

على الصعيد السياسي أدت الحرب إلى تعميق الأزمة السياسية في السودان، إذ فشلت المحاولات المتكررة للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، كما تعثرت جهود الوساطة الإقليمية والدولية، وانقسمت القوى السياسية السودانية بين دعم الجيش أو “الدعم السريع”، مما جعل من الصعب تحقيق توافق حول مستقبل السودان، هذا الانقسام زاد من تعقيد المشهد السياسي، وأصبح من الواضح أن الحل العسكري لن يكون كافياً لإنهاء الأزمة.

الدبلوماسية والوساطة

عدد من الأطراف الدولية والإقليمية تحاول الوساطة بين الطرفين، مثل المبادرات التي قدمتها الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الأفريقي وكذلك الأمم المتحدة ومنبر جدة، جميعها لم تؤد بعد إلى نتائج ملموسة، على رغم ذلك يبقى الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأفضل لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار وبدء عملية سياسية شاملة.

لا بد من أن تشمل هذه العملية جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك القوى المدنية والقبلية، لضمان أن يكون الحل شاملاً ومستداماً، كما يجب أن تحظى بدعم دولي قوي لإعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.

إن نجاح أية عملية سلام في السودان يتطلب دعماً إقليميا ودولياً، يجب على الدول المجاورة للسودان، وبخاصة إثيوبيا ومصر وتشاد، أن تلعب دوراً إيجابياً في دعم جهود السلام، وتجنب تأجيج الصراع من خلال دعم أي من الأطراف المتحاربة.

كذلك ينبغي على القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين الضغط على الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتقديم حوافز اقتصادية وسياسية لدعم عملية السلام. إن إعادة دمج السودان في المجتمع الدولي، من خلال رفع العقوبات وإعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي، ستكون ضرورية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

المساعدات الإنسانية

إن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة أمر حيوي للتخفيف من معاناة الشعب السوداني، يجب على المجتمع الدولي زيادة حجم المساعدات المالية والغذائية والطبية، وضمان وصولها إلى جميع المناطق المتضررة من دون عوائق، كما ينبغي دعم جهود إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، لضمان عودة الحياة الطبيعية في أقرب وقت ممكن.

الإصلاح السياسي

تعد الإصلاحات السياسية ضرورة لتحقيق السلام الدائم، يجب التركيز على بناء مؤسسات دولة قوية ومحايدة، تضمن حقوق المواطنين وتحقق العدالة الانتقالية، يمكن أن يشمل ذلك إعادة هيكلة القوات المسلحة وضمان دمج قوات “الدعم السريع” فيها بطريقة تعزز الوحدة الوطنية.

كما يجب أن تكون هناك عملية شاملة لمراجعة الدستور السوداني بما يضمن توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة بين جميع أقاليم السودان، إضافة إلى ذلك يجب أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي، لإعادة الشرعية للحكومة وضمان أن تكون ممثلة لإرادة الشعب.

الخاتمة

الحرب الدائرة في السودان تمثل تحدياً كبيراً لمستقبل البلاد، لكن الأمل في إنهاء الأزمة لا يزال قائماً. يتطلب ذلك جهوداً جماعية من السودانيين أنفسهم، بدعم من المجتمع الدولي. الحل يكمن في الحوار والدبلوماسية، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وإجراء إصلاحات سياسية جذرية. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن للسودان أن يتجاوز محنته، ويبدأ في بناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: