في 31 يوليو/ تمّوز المنقضي، نفّذت إسرائيلُ عمليةَ اغتيالِ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة، قبل ساعات من نجاة قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من محاولة اغتيال في شرق السودان.
يقف العالم مُتوتِّراً لحظة كتابة هذه السطور خشية ردّة الفعل الإيرانية ضدّ اسرائيل، وتُقرَع طبولُ الحربِ في المنطقة. ربّما لذلك لم يتذكّر أحد أن يعلن سعادته لنجاة البرهان، كما جرت الأعراف. حتّى لقاءات مدينة العلَمَين المصرية بين قادة من المنطقة، ولم تغب عنها حرب السودان، لم يصدر عن أيّ من حضورها تصريح في هذا الشأن. لعلّ ردّةَ الفعلِ الدولية الوحيدة بشأن هذه الحادثة، حتّى الآن، تعليقٌ عابرٌ من المبعوث الأميركي توم برييلو قاله لصحيفة سألته عن رأيه بشأن المحاولة، فذكر أنّها حادثة تدعو إلى القلق، لكنّه شدّد على “التحقيق، لتظهر الحقيقة، وتظهر الإجابات إلى النور”، حسبما نشرت صحيفة السوداني.
لا تبدو إشارة المبعوث الأميركي إلى التحقيق في حادث وقع وسط عملياتٍ عسكرية وحربٍ مفتوحة غريبة، فمحاولة الاغتيال التي جرت بطائرتَين مُسيَّرتَين استهدفتا احتفالاً عسكرياً شهده البرهان، لم يصدُر بشأنها أيُّ بيان رسمي من مجلس السيادة الانتقالي، وهو المجلس الذي انزعجت وزارة الخارجية السودانية من عدم توجيه الولايات المتّحدة دعوةً إلى مفاوضات جنيف للفريق البرهان بصفته رئيساً له، وإنّما بصفته قائداً للجيش. لم تُصدر الوزارة بياناً حول نجاة رئيس مجلس السيادة من محاولة اغتيال، لكنّها أصدرت بياناً تستنكر فيه اغتيال إسرائيل القيادي إسماعيل هنيّة (!) التصريح الرسمي الوحيد عن الحادث جاء من الناطق باسم القوات المسلّحة من دون إشارة إلى محاولة الاغتيال.
لخّصت “بي بي سي” الحادثة، وردّة فعل الجيش، بقولها: “نجا البرهان من محاولة الاغتيال وتم إجلاؤه إلى مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المُؤقّتة التي تقع على بعد نحو مائة كيلومتر من مكان الهجوم. بعد مرور ساعات على الحادثة، أصدر الجيش السوداني بياناً مقتضباً أكّد فيه أنّه تصدّى لهجوم مُسيَّرتَين وأنّ الهجوم أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وإصابة آخرين من دون ذكر تفاصيل. ولكن مصادر عسكرية كشفت لبي بي سي أنّ من بين القتلى والمصابين ضابطاً برتبة عقيد، وجنود صفّ ومدنيين”.
رغم هذا الصمت، فإنّ الإعلام (حتّى السوداني الموالي للجيش)، وضبّاطاً كباراً يتحدّثون علناً عمّا حدث باعتباره محاولةً فاشلةً لاغتيال قائد الجيش، لكن من دون توجيه اتّهام صريح لجهة ما. كأنّ ذلك لم يكن كافياً، فسارع المستشار القانوني لقائد “الدعم السريع” إلى نفي التهمة عن قواته، التي تخوض حرباً متوحّشة ضدّ الجيش، وتطالب برأس البرهان علناً منذ أكثر من عام، ما يجعلها المُتّهم الطبيعي والأول. ما عدا هذا التصريح، الذي انتزعه الإعلام أيضاً، لم تُصرّح مليشيا قوات الدعم السريع بأيّ شيء حول هذه الحادثة.
الطائراتُ المُسيَّرةُ، التي تستهدف مُدُنَاً لم تخرّبها الحرب بعد، لم تظهر للمرّة الأولى في هذه الحادثة. وأيضاً لم تكن هذه هي الطائرات المُسيَّرة الأولى التي تحيط بها أسئلة حول من أطلقها ومن أين ولماذا؟… هذه الأسئلة تتكرّر همساً وجهراً في فترات متباعدة بعد حوادث تبدو غير تقليدية في سياق الحرب الجارية، لم تكن محاولة الاغتيال أولها.
نحن إذن أمام محاولة اغتيال لا يبدو أنّها وُصِفت بذلك رسمياً. ولم تَتَّهم بها جهةٌ رسمياً أيَّ جهةٍ أخرى. ولم يتبنّها أحد. ولا يبدو أنّ أحداً اهتمّ بها، حتّى المعنيين بحرب السودان (!). ربّما لذلك، تساءلت إذاعة مونت كارلو “هل هي محاولة اغتيال؟”.
في ظروفٍ مختلفةٍ عن الخوف من الحرب في الشرق الأوسط، ربّما حظيت الحادثة باهتمام إعلامي أكبر. لكن حتّى ذلك لا يُفسِّر تجاهلها من المٌتورِّطين والمعنيين بالحرب. إلّا إن كان الصامتون يظنّون أنّ المحاولة لم تكن مقصودةً لذاتها، وإنّما كانت رسالةً ما. في هذه الحالة قد يعني الصمت أنّ الرسالةَ وصلت. لكن كيف يكون الردّ عليها؟ أو ربّما علينا أن نسأل سؤالاً مختلفاً يربط الاغتيال والمحاولة. ماذا سيفعل قائد الجيش السوداني بعدما أعاد علاقاته مع إيران قبل أيّام إذا واجهت طهران تل أبيب، التي طبّع علاقاته معها قبل أعوام؟
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.