باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان

842

مع دخولها عامها الثاني، لا تزال احتمالات نهاية الحرب في السودان بعيدة المنال. لكنها لن تخرج عن السيناريوهات الآتية:

• انتصار عسكري كامل للجيش السوداني بالقضاء على ميليشيا “قوات الدعم السريع” في أنحاء السودان كافة. وهو أمر لا يبدو محتملا مع سيطرة “الدعم السريع” على أجزاء كبيرة من البلاد، بينها أربع ولايات من إقليم دارفور الخمس، وولاية الجزيرة، ووجودها الكثيف في ولايات الخرطوم وكردفان، وأيضا مع استمرار الدعم الأجنبي الإقليمي والدولي الذي يواصل إمداد الميليشيا بالسلاح والعتاد ويوفر لها السند السياسي والدبلوماسي والإعلامي الذي يسمح لها بمواصلة الحرب مع توفير حصانة مؤسسية لقادتها من جرائم وانتهاكات جنودهم على الأرض.

• انتصار “قوات الدعم السريع” وسيطرتها على السودان. وهو أيضا احتمال مستبعد وغير واقعي في ظل التراجع العسكري للميليشيا في العاصمة الخرطوم، وتنامي المقاومة الشعبية ضد الميليشيا في ظل تزايد الرفض المحلي والدولي للانتهاكات الموثقة التي تواصل الميليشيا ارتكابها والتي عجز الدعم السياسي من الأحزاب والتحالفات المتماهية مع خط التمويه عن “الدعم السريع” والتبرير لحربها السلطوية والتغطية عليها. ذلك ناهيك عن استشراء جرائم الحق الخاص التي ارتكبتها الميليشيا بشكل مؤسسي والتي شملت احتلال ونهب البيوت والممتلكات الخاصة والقتل على أساس الهوية والإبادة الجماعية والاغتصابات والاختطاف، إلى آخر قائمة الانتهاكات والجرائم الموثقة الطويلة، وعجز ميليشيا “الدعم السريع” وحلفائها عن الحد منها ولجوئهم بدلا من ذلك إلى السرديات الإعلامية البديلة والمضللة للتغطية عليها وهو ما يشهده الناس بأعينهم يوميا، وما أدى بدوره إلى تزايد الغضب والرفض الشعبي لهم بشكل مضاعف.

• انقسام السودان إلى دولتين مستقلتين عمليا، على غرار النموذج الليبي. وهو أمر قد تدعمه الحسابات العسكرية على الأرض، مع توسع سيطرة الميليشيا في إقليم دارفور ومعركة الفاشر الوشيكة والتي تحاصر فيها الميليشيا الفرقة السادسة من الجيش السوداني بالإضافة إلى المعارك التي تدور في إقليم كردفان وحصار مدينة الأبيض متطاول الأمد، وفي الجانب الآخر إحكام الجيش السوداني سيطرته على شمال وشرق البلاد. ولكن فشل الميليشيا عن صياغة أي مشروع للحفاظ على أي شكل من أشكال جهاز الدولة أو حتى إظهار بوادر للحكم المؤسساتي أو تنظيم الحياة في المناطق التي امتدت سيطرتها إليها، وهو ما تشهد عليه حركة المدنيين التلقائية نزوحا من مناطق سيطرة “الدعم السريع” إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش على استحالة الحياة الطبيعية فيها، يجعل هذا الاحتمال كارثيا، حيث تشهد الحياة في المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع” فوضى عارمة لمشهد سيطرة العصابات والميليشيات التي يشكل تحالفها “قوات الدعم السريع”. فحتى قبل عدة أيام في الخامس من مايو/أيار الحالي، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” اضطرارها إيقاف أنشطتها وخدماتها في مستشفى ود مدني، الذي يقع في عاصمة ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها “قوات الدعم السريع”.

كل هذه الاحتمالات تبدو كارثية على السودان. فانتصار الجيش بصورة مطلقة ربما يخلص الشعب السوداني من جحيم حرب تدمير السودان حاليا، ويوفر ملاذا مؤقتا لاستعادة الحياة لطبيعتها في السودان، ولكنه قد يمهد الطريق لحكم شمولي طويل يستند إلى انتصار عسكري، بما يقضي على آمال وطموحات الثورة السودانية في التحول المدني الديمقراطي. وهو ما سيكون استمرارا لدائرة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي غرقت في دوامته البلاد منذ استقلالها والذي عاشت تحت ظله البلاد لمدة 55 سنة من عمر استقلالها الذي وصل إلى 68 سنة. وظيفة الجيش هي أن يحمي البلاد ويصون القانون، وليس الحكم. مهمة الجيش هي الحماية وليس الوصاية.

أما سيطرة الميليشيا على السودان، فهي سيناريو سيطرة الفاشية على البلاد. فما أظهرته ميليشيا “الدعم السريع” من عنصرية وإجرام في حق السودانيين منذ تأسيسها وحتى اليوم، وما شهدته حرب 15 أبريل/نيسان 2023 منذ اندلاعها من انتهاكات وثقتها تقارير الأمم المتحدة في غرب دارفور، وتقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية في شتى أصقاع البلاد التي وصلتها يد الميليشيا، يكشف أنه لا مستقبل جيدا أو مستقرا أو آمنا للسودانيين في ظل استمرار الوجود المؤسسي للميليشيا، ناهيك عن استيلائها على الحكم.

انقسام السودان سيناريو كارثي لطريق مُظلم لا يُفضي إلا إلى المزيد من المعاناة والدمار. سيؤدي هذا الانقسام إلى تشكيل دولتين ضعيفتين مُنهكتين، تعانيان من استمرار الصراع بينهما، بالإضافة إلى تفشي صراعات بين مكوناتهما الداخلية، ناهيك عن التنافس الخارجي والإقليمي على بسط النفوذ على كل منهما. كما سيوفر مثل هذا الاضطراب المناخ الملائم لنشأة ونمو وتمدد الجماعات المتطرفة بشكل حقيقي وليس على غرار التهويل الذي تستخدمه الأطراف السياسية حاليا.

كما ستفتقر كلتا الدولتين إلى الموارد الاقتصادية والبنية التحتية الضرورية لضمان استقرارهما أو تحقيق رفاهية شعبيهما. وفي ظل مثل كل هذه البلبلة، ستُصبح آمال إرساء حكم مدني ديمقراطي يراعي مصالح المواطنين بعيدة المنال.
كل هذه السيناريوهات والاحتمالات الكارثية هي ما يجب أن تدفع الأطراف المدنية الحريصة على مستقبل الاستقرار والسلام في السودان لاجتراح الطريق وإعمال العقل والمنطق بحثا عن طريق ثالث يحافظ على ما تبقى من السودان ويعيد للسودانيين بعضا من كرامتهم وسيادتهم الوطنية الحقيقية التي بعثرتها هذه الحرب. ويبدأ هذا الطريق بكسر ثنائية الحرب السامة التي يحاول فرضها بعض الساسة لتبرير انحيازاتهم الحربية إلى هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتقاتلة. لم يكتب الله على السودانيين أن يختاروا بين ما هو سيئ وما هو أسوأ. وإنهاء هذه الانحيازات المقيتة يتطلب من الفاعلين في الوسط السياسي المدني بكافة مشاربهم التوقف عن السعي لتحقيق مكاسب سياسية عبر الأطراف المتحاربة. فكل الفاعلين في تحالفات المشهد السياسي السوداني الحالي، سواء الذين أعلنوا انحيازاتهم بشكل صريح أو الذين يتدثرون وراء شعارات حياد كذوب بينما يمارسون التدليس في تحليل واستعراض طبيعة هذه الحرب السلطوية، يسعون للدفع بأجنداتهم السياسية على حساب دماء وأرواح ومعاناة السودانيين المستمرة. إن أية أهداف سياسية، على اختلاف أغراضها يجب أن يكون مكانها على مائدة عملية سياسية تتلو وقفا مستداما للأعمال الحربية، وهو ما يجب أن يكون الهدف الوحيد الذي يسعى إليه الساسة المدنيون حاليا.

لكن استمرار محاولات وضع الاشتراطات والأجندات السياسية والدفع بأهدافها وربطها بالسعي لإيقاف الحرب، لا يعدو أن يكون محض ابتزاز مقيت للسودانيين بمعاشهم وأمنهم وأمانهم لا يختلف كثيرا عما يفعله حاملو السلاح.
إن الحرب الدائرة حاليا في السودان ذات طبيعة وجودية تهدد بقاء السودان كدولة مستقلة وذات سيادة، وتخاطر بحياة وأمان شعبه، وهي نتيجة للصراع على السلطة بين طرفين سيئين، يتفاوتان في السوء. وهذا الاختلاف ليس مجرد اختلاف كمي في الأرقام. بل إن التفاوت في ارتكاب الانتهاكات التي تقع يوميا على السودانيات والسودانيين يعكس اختلافا نوعيا في طبيعة الطرفين على سوئهما. الحرب تدور بين مؤسسة الجيش السوداني التي أفسدها تاريخ طويل من الانخراط في السياسة وسنوات من التمكين والتخريب الأيديولوجي ما جعلها عاجزة عن أداء أدوارها الطبيعية بشكل فاعل وهي جزء من جهاز الدولة السودانية الذي يحتاج بكلياته إلى إصلاح، ضد “قوات الدعم السريع” وهي مؤسسة فاشية يتعارض وجودها بشكل مؤسسي مع الحياة الطبيعية أو الآمنة للسودانيين في بلادهم، والتي تمارس هذه الانتهاكات بشكل منهجي مستمر مستند إلى طبيعتها المتأصلة.
وهذه الحرب تختلف في طبيعتها عن كافة النزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي شهدها السودان من قبل في سياقات الاحتجاج على التمايزات التنموية أو الانتفاضات المسلحة ذات المطالب السياسية. ويجب رفض المحاولات الحثيثة للبحث عن مبررات سياسية أو إسباغ شرعية أو معقولية على هذه الحرب بأي شكل جاءت، ومن أي طرف جاءت، والتي ليست إلا محاولة لإحراز نقاط سياسية بالاستقواء بالأطراف المسلحة وشرعنة مذمومة لوجود السلاح في السياسة. إن البحث عن حلول لإيقاف الحرب في السودان، مهما بلغت درجة التنازلات المقدمة فيها من أجل استعادة السلام إلى السودان، لا ينبغي أن يكون عبر إنكار الجرائم والانتهاكات التي تم ارتكابها، أو محاولة تبريرها وربطها بصراعات الهامش والمركز التاريخية، بل يجب تحميل كل طرف من أطراف الحرب مسؤولية ما ارتكبه من انتهاكات بالقدر الذي تم ارتكابها به، وأي محاولة لتبرير هذه الجرائم أو صرف النظر عنها هي مشاركة مباشرة في ارتكابها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: