منى أبوزيد يكتب: *هناك فرق – السلام على روح الإمام
*”لنجاح أي نهضة اجتماعية لا بد من ريادة فكرية واستجابة اجتماعية” .. أرنولد توينبي ..!*
في أواخر العقد الأول من هذه الألفية كتبتُ مقالاً عقبتُ فيه على حديث للسيد الإمام الصادق المهدي “رحمه الله” كان قد تم نشره في أحد أعياد ميلاده – أظنه الرابع والسبعين إن لم تخنني الذاكرة – وقد أثمر المقال عن التفاتة لطيفة ودعوة كريمة لزيارته في بيته العامر “الذي طَهَّره جيش الكرامة من رجس الميليشيا” ..!
هناك استقبلتني زوجته السيدة “حَفيَّة” بلطف كان لها به من اسمها نصيب، وقادني السيد “محمد زكي” إلى مجلسه الوضيء. وبعد ساعتين من الحديث في الأدب والسياسة والفقه وعلم الاجتماع خرجتُ مُحملَّةً بهدية قوامها مجموعة من مؤلفاته وموافقة منه على أن يحل علينا ضيفاً في برنامجنا “عدد خاص” على قناة النيل الأزرق ..!
في أثناء فاصل قصير من فواصل الحلقة التي كانت “العلاقات النسائية الرجالية في السودان” هي موضوعها الرئيس، والتي كانت تبث على الهواء مباشرةً، سأل د. عبد اللطيف البوني – الذي كان يشاركني تقديم البرنامج – السيد الإمام عن تجربته الشخصية مع التعدد في الزواج، فأجاب الزعيم والقائد الذي جمع بين إمامة الأنصار وزعامة حزب الأمة منذ شبابه الغض والسياسي الذي انتزع رئاسة الوزراء وهو في سن الثلاثين، والمعارض الذي خبر حياة السجون واحترف التجوال في المنافي لعقود متعاقبة – أجاب – قائلاً “دِي حَرب أهليَّة” ..!
اليوم وبعد رحيل السيد الإمام يبدو أن تداعيات الحرب الأهلية التي أشار إليها قد تجاوزت الشقين والأسرتين إلى سياسات وقيادات حزب الأمة الذي صارت مواقفه مُلتبسة ووقفاته مُحيِّرة بعد رحيل الزعيم والإمام الذي كان يعرف فنون وآليات الوقوف بين المشتبهات دون أن يحيق به وبحزبه الخسران البيِّن المُبين الذي حاق بالذين جاءوا بعده، والذين يبدوا أنهم لم يعثروا بعد على معادلة “الوزنة السياسية” أو “الخلطة السرية” التي كان يملكها الإمام الراحل ..!
مذكرة حزب الأمة القومي التي أرسلها إلى “تقدم”، وبيان مكتبه السياسي الذي تنصل من البيان المشترك الذي جمع بينه وبين الحزب الشيوعي وحزب البعث الأصل، ثم بيان حزب الأمة القومي “ولاية الجزيرة” بشأن مواقف وممارسات ميليشا الدعم السريع هناك. ظهور السيد “عبد الرحمن الصادق المهدي” وهو يتجول في أم درمان بلباس عسكري ويرافق ضباط الجيش الأبطال، وفي المقابل ظهور السيد “صديق الصادق المهدي” بين حلفائه في اجتماعات “قحت” و”تقدم”. وظهور السيدة مريم الصادق المهدي في فعاليات القاهرة السياسية على نحو شديد الالبتاس، تارةً في لقاء تفاكري مع القائد مني أركو مناوي – الذي يقف مع الجيش السوداني بمواقفه وقواته – وتارةً أخرى مع مجموعة “سليمان صندل” التي غرست أقدامها في وحل الضفة الأخري ..!
هذا الأفول السياسي والحرج الأخلاقي الذي يشهده حزب الأمة يؤكد أن الأحزاب التي كانت ولا تزال تعمل على طريقة “مسرح الرجل الواحد” تتنكب الطريق. وهي بهذه الحال يصعب أن تجد لها مكاناً سياسياً أو مكانةً شعبية في سودان ما بعد الحرب ..!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.