عبد الحميد عوض يكتب: السودان… متمردون ضد المبادئ
*حركات التمرد في السودان ظلت في مراحلها وتواريخها المختلفة تضع نفسها ضمن منظومات الدفاع عن الديمقراطية والتحول المدني وحقوق الإنسان، وتزعم أن حملها للسلاح ما هو إلا وسيلة من أجل تلك الغايات، ما أعطاها عند البعض مشروعية سياسية وأخلاقية.
*التجربة السياسية الممتدة منذ الاستقلال وإلى اليوم أثبتت غير ذلك. فكل الحركات التي تمردت على المركز، وبعد وصولها إلى السلطة، تنسى وتتناسى الشعارات القديمة السامية النبيلة، وتنكب على جمع مغانم السلطة والثروة، وتتحول إلى أداة من أدوات الأنظمة الشمولية والعسكرية للتنكيل بشعوبها.
*مثلاً، الحركة الشعبية لتحرير السودان، النموذج الذي اقتدت به كثيرٌ من حركات التمرد، أبرمت في عام 2005 اتفاقاً مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، قاد إلى شراكة في الحكم في الفترة من 2005 إلى 2011. وطوال تلك السنوات، غضّت الحركة الطرف عن برنامج السودان الجديد، سودان التعدد والتنوع والحرية والديمقراطية، وصمتت عن كل الانتهاكات التي واصل النظام ممارستها، وكانت جزءاً من عملية إجازة ترسانة قوانين قابضة ومقيّدة للحريات. ومن المؤسف أن قمة الانتهاكات والمجازر التي وقعت في إقليم دارفور، وأثارت الداخل والخارج، وقعت بينما كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تجلس على أعلى المناصب التنفيذية والتشريعية والسياسية، وتشارك بـ”فيتو” مباشر على كل قرارات الدولة.
*ليس ذلك وحسب، فقد انفردت الحركة الشعبية بعد ذلك بحكم دولة جنوب السودان عقب انفصالها في عام 2011، وهناك كرّست شمولية ودموية جديدة وفارقت دروب الديمقراطية والمدنية ليومنا هذا، دون أمل في فرج ديمقراطي قريب.
*حركات التمرد الحالية التي وقّعت على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية في عام 2020 لم تكن استثناء، وارتكبت في أشهرها القليلة في السلطة، جريمة لن يغفرها لها التاريخ، بتعبيدها الطريق للانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021 وخرجت كأول المؤيدين له والمدافعين عنه.
*وسعت هذه الحركات بكل ما أوتيت من قوة لجمع أكبر عدد من المناصب والمكاسب، دون أدنى اعتبار للثورة السلمية التي أنجزت لها إسقاط نظام فشلت في إسقاطه بقوة السلاح لنحو 20 عاماً من تمردها، ودون اكتراث من الحركات للضحايا ولمن حاربت باسمهم.
*وهناك الحركات التي تلك تتمادى في مواقفها هذه الأيام بعدما فشل الانقلاب العسكري، وأجمع السودانيون على ذهاب العسكر إلى ثكناتهم، فهي تصّر على إبقائهم في المشهد، وتنفذ لهم أجندتهم بشكل مباشر وغير مباشر، وتعترض على كثير من أجندة التحول الديمقراطي، مثل إزالة تمكين نظام البشير، وإصلاح المنظومة القانونية والأجهزة العدلية وغيرها. كل ذلك يقود إلى السؤال عن جدوى حمل السلاح أصلاً؟ وتحتاج الإجابة عنه إلى تتمة أخرى في مقبل الأيام.
نقلاً عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.