بشارة جمعة أرور يكتب: ضرورة إزالة الأنقاض والرواسب السياسية
*عندما ينكفئ الفرد على ذاته ويتحصن بالقبيلة ويغيب عن وعيه مفهوم الانتماء للوطن بسبب الإرتباك النفسي إزاء فقدان الدولة لسيادتها وهيبتها، تتحول المجتمعات بداخلها إلى مجموعات ومكونات غير متناسقة وغير متجانسة بالتالي لن تشعر بالمشتركات ولو كانت ضئيلة وبسيطة لأنها لا ترى في الأفق أي وميض من الضوء في النفق ولا بصيص أمل في الأيام القادمات…، لا شيء هناك سوى الإنحدار إلى أسفل دهاليز الأزمة المظلمة حيث تسكن أوهام العظمة وتواضع القدرات على مر الزمان،والتاريخ مليء بالقصص وشواهد الاختلافات ومواقف القوى السياسية المعادية لبعضها…،دوافعها الأمزجة المتناقضة فكرياً وسياسياً.
*لذلك لا يمكن اللواذ بالصمت والسكوت عن قول الحق في القضايا الوطنية ذات الخطر العام، رهبةً من سطوة أحد أو رغبةً في رضائه ولا يليق بنا أصلاً، ولا بأي سياسي يحترم نفسه،وكثيراً ما نبهنا وقلنا في منابر ولقاءات عدة عبر القنوات الفضائية أحياناً أو كتابةً وشفاهةً لمن يهمهم الأمر مرات ومرات بأن يتحسسوا طريق السلامة للوطن وكيفية الخروج من نفق المماحكات السياسية ودهاليز الأزمة الوطنية المعتمة التي مازالت تمارس فيها سياسة إخفاء بعض الأخبار الرسمية وستر الحقائق في كيفية إدارة شئون البلاد عن الرعية والتكتم في اتخاذ القرارات المصيرية الهامة والخطيرة، ولأن النتائج من جنس المقدمات فإن الرأي السديد لابد أنّ يبنى على الحقائق الموضوعية المتعلقة بأصل الأزمة والأسباب الرئيسية لنشوء الأزمة،والحقائق كما نراها تناهض بشكل كامل ما يرد في الزعيق والضجيج الذي يملأ الآفاق حيث كل جهة تنصب نفسها وصية على الآخرين وهذا الأمر لا يمكن أن يستقيم، والمواقف لا تبنّى على الحقائق وحدها وإلا لما إختلفت المواقف من واقعة واحدة فإلى جانب الحقيقة المجردة هناك عنصران آخران يدخلان في تحديد المواقف يتمثلان في المبادئ والتقديرات الظرفية، وبالفعل هناك جملة من المبادئ الفكرية والأخلاقية وكذلك التقديرات الظرفية التي تدخل في تحديد موقفاً ما،ومن أوجب مقتضيات العدالة أخذ الحق للمظلوم من الظالم وأن ينال المجرم العقاب المستحق جزاءً وفاقا لما أقترف.
*والسلام منافي للحرب والنزاعات وهو حالة من الأمان والسكينة والطمأنينة وراحة البال ولا يتم ذلك إلا من خلال التخلص من الخلافات المستعرة أولاً بتسوية النزاعات العبثية التي تقف حجر عثرة في وجه تحقيق السلام العادل والاستقرار والأمان، والسلام كضرورة إنسانية ومقصد شرعي يستوجب العدالة ولا يمكن أن يكون في تعارض معها حتى يحدثنا البعض بضرورة التوفيق بين السلام والعدالة، وأي سلام حقيقي لا يتحقق قفزاً على ضرورات العدالة أما قصاصاً أو تعويضاً أو عفواً طوعياً من المظلوم. ونحسب أنّ القصاص هو الرادع الحقيقي عن العدوان وتمادي المعتدين، وهذا هو المعنى الأسمى لقوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) صدق الله العظيم.
*والتقديرات الظرفية أحد العناصر المهمة في تحديد المواقف وما يتصل بها من تداعيات، لذا تدفعنا التقديرات الظرفية لتلمس المخرج في خيار بديل شريطة أن لا يهدر ذلك مبدأ العدالة كما حددناه، ونرى أن هناك إعتباران هامان من جهة التقديرات الظرفية يستوجبان عدم الإندفاع على طريق المكابرة والعناد والعزة بالإثم، خاصة إذا كان البديل المناسب ممكناً.
*الإعتبار الأول أن الوضع العام للبلاد يتسم بسيولة بالغة وهشاشة مرعبة جراء كثرة بؤر التوترات وشدة الاحتقان السياسي والاجتماعي وتعدد التشكيلات المسلحة في ظل فترة انتقالية مضطربة ومشوشة وذات خصوصية في مرجعياتها القائمة على ظروف إستثنائية وإتفاقيات حساسة (سلام جوبا).
وإنفراط العقد في مثل هذا الواقع يعني الدخول في أتون فوضى يصعب الخروج منها ولملمة أطراف وطن قاري، وأي فوضى قد تدفع الأقاليم والولايات لتصرف أحادي يترتب عليه تعقيد بالغ. وربما يثير مشاعر قطاع واسع لا يستهان به وذلك يعتبر تهديداً فعلياً لبقاء الدولة موحدة ومثل هذا التهديد سيدفع على الأرجح لهدم المعبد فوق رؤوس الجميع إن لزم الأمر.
*وقتها لا أحد يستطيع أنّ يجزم يقيناً بالمآل النهائي والدور الخارجي في ذلك، ومن الغفلة إستبعاد إحتمال التطور الكارثي للتدخلات الأجنبية.
*وفي التاريخ القريب على مستوى محيطنا الإقليمي والدولي هنالك أحداث تجود بعبر ودروس مستفادة يجب أن لا نتجاوزها.
ولقد رأينا ما تم ومازال في العراق، سوريا،اليمن وليبيا…إلخ.
وقد إنتهى الأمر في بعضها إلى إحتلال وإذلال مما جعل الكثيرين يبكون على أطلال الماضي.
*والخيار البديل لطريق الفوضى وغيوم الاضطرابات الذي نراه ليس سهلاً فهو يمثل ما مثله لضرغام رأس عنترة أعز من تاج كسرى وعمامة المناذرة فهذا الخيار يتطلب تنازلات جريئة ومؤلمة من فرقاء الأزمة السياسية سيما مجموعات الحرية والتغيير المبعثرة والمكون العسكري تليها الحركات المسلحة والقوى الوطنية الأخرى، كما أن الطريق لهذا الخيار وعر ومتعرج،ويتطلب سيراً هادئاً ومستبصراً ولكن حثيثاً بدون تلكؤ.
*إذاً الحل البديل يتطلب السير على ثلاثة مسارات أساسية تتمثل في المسار السياسي،العدلي والدبلوماسي وهي مسارت متداخلة بلا شك.
وفيما يتعلق بالمسار السياسي فيجب على السلطة القائمة بدايةً أن تعقد العزم الصادق بعيداً عن المناورات والمماحكات المعهودة للوصول لحل عادل للأزمة برؤية قومية شاملة وإستخدام حزمة آليات سياسية متطورة، ولا مناص للوصول لهكذا حل من الإستجابة للمطالب الجوهرية التي تتمثل في شعار:( حرية-سلام وعدالة لتكون الوحدة والتوافق خيار الشعب).
*ونقول للقوى السياسية كافة إن الحل لا ياتي بالعنجهية والعجرفة،بل بالتفاهم والتوافق فلا مفر ولا مهرب لكم من الحوار مع كافة الأطراف المؤثرة في الساحة.
*كنا ومازلنا ننصحكم بالمصالحة الوطنية الشاملة وبعدم إغلاق باب الحوار مع الآخرين.
*ونأتي للمسار العدلي والذي يجب أن يكون هدفه الوصول لصيغة تحقق العدالة والعدالة الانتقالية وعلى الحكومة أن تقر بوقوع الجرائم والإنتهاكات فالإعتراف أول شروط التوبة النصوحة وهو المدخل الصحيح للتصافي والتصالح والتسامح حيث مناخ التعايش السلمي بين مكونات المجتمع.
*وبالتزامن والتوازي مع المسارين السياسي والعدلي يكون التحرك على المسار الدبلوماسي بهدف أساسي، وهو محاصرة التدخلات السافرة، وإحتواء أزمة الديون المتراكمة وتحسين صورة البلاد وتطوير العلاقات الخارجية مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمواعين الاقتصادية العالمية الكبرى لتعزيز التعاون في كافة المجالات المهمة.
*إنّ أمضى سلاح للتعامل مع قضايا الوطن هو الإجماع الوطني والتعاون من أجل رفعة الوطن وتقدمه.
*وأخيراً فإن هذه أفكارنا وآراءنا ومقترحاتنا نقدمها تحسساً لطريق السلامة للوطن.
* ولكي نحقق آمال وتطلعات الشعب السوداني لابد من إزالة الأنقاض والرواسب السياسية من دهاليز الأزمة الوطنية التي سدت الآفاق وحرمت الشعب من بلوغ أهدافه وغاياته،ومنعت دخول ضوء الأمل في نفق الحياة وغلقت الأبواب أمام التطور والمواكبة.
*نعلم علم اليقين أن المغرورين المتعجرفين قد لا يكلفون أنفسهم عناء الإطلاع على ما نطرحه أو مجرد التفكير بتمعن في كيفية التغلب على العقبات والصعوبات التي تواجه عملية التغيير والتحول الديمقراطي.
*وقد يسألنا البعض لما تعظون قوماً لا يسمعون ولا يعقلون ولا…؟! فنقول معذرة إلى ربنا أولاً وإلى المواطن والوطن ثانياً.
*فيا أيها الناس لا داعي للببغائية والسير في ذات الدهاليز معتمة، دعونا نؤسس ونبني لهذا الجيل الطامح والجامح وطناً شامخاً على أسس الحرية،السلام والعدالة ليكون حب الوطن المنصة الجامعة لأبناء وبنات السودان المتعدد الأعراق والمتنوع في الثقافات، الموزون بميزان الوطنية والإحساس بالإنتماء إليه.فمن يبني حاضراً جميلاً سيجني ثماره وسيستمتع بمشاهدة الازدهار وتباشير المستقبل المشرق للأجيال القادمة ولو كان يلتقط أنفاسه الأخيرة،فليودع وهو مطمئن وليرقد رقدته الأخيرة وكله فخراً و رضا.
*لا مناص من التحكم في غرائزنا وإنفعالاتنا إعمالاً للعقل قبل العاطفة عند المحكات الصعبة والمواقف الحرجة لأن عقل الإنسان أقوى من غرائزه،فلا تكرهوا بعضكم فتكرهوا وطنكم، بل حبوا بعضكم لتحبوا وطنكم فتنجحوا في أعمالكم وتركزوا كل جهودكم على بناء بلادكم.
*السودان وطن يسع الجميع، والجميع شركاء في بنائه.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.