أرنست خوري يكتب: إسرائيل والسودان وفاغنر في سلّة واحدة
*أصاب سياسيون سودانيون معارضون عندما لاحظوا أن إعلانات الخرطوم التي تلت لقاء الجنرال عبد الفتاح البرهان مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين يوم الخميس الماضي، عن قرب التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، يؤكّد أن كل الكلام عن تخلّي العسكر عن السلطة ليس أكثر من ثرثرة. فأن يقرّر البرهان في شأن بهذه الدرجة من الأهمية، من دون أن يكون في البلد برلمان ومؤسّسات دستورية تعمل بشكل منتظم، فإنما ذلك يعني أن الرجل يورّط بلده في قضية يعد الأميركيين، ومعهم الإسرائيليين، بأنه سيتولّى إدارتها شخصياً، إذ يصعب أن تجد قوة سياسية سودانية وازنة اليوم تؤيد علناً إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. وفي البال أن الشركاء المدنيين لحكم العسكر زمن عبد الله حمدوك، عندما جرى لقاء البرهان مع بنيامين نتنياهو عام 2020 في عنتيبي (أوغندا)، علّقوا آنذاك بأن هذا أمرٌ متروكٌ إلى حين استقرار أحوال السودان ليقرّه برلمان منتخب، يقرّر في حينها إن كان هو من سيصوّت على إبرام اتفاق من هذا النوع أو عرضه على استفتاء شعبي. أما تبرؤ نائب البرهان، حميدتي، من الاجتماع بكوهين، فذاك شأنٌ آخر، أغلب الظن أنه يتصل مباشرة بالكثير الذي يقال عن خلاف بين البرهان وحميدتي، على من يحكم السودان غداً، وموقع الجيش ومليشيات قوات التدخل السريع في هرم السلطة وشكل العلاقة مع الرعاة الأجانب للسلطة.
*بعيداً عن ذلك كله، لماذا نام تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم منذ لقاء عنتيبي 2020، واستفاق اليوم مستعجلاً إنجاز “اتفاق سلام” في 2023؟ لماذا فترت الحماسة التي رافقت زيارة إيلي كوهين نفسه إلى العاصمة السودانية مطلع عام 2021 يوم كان وزيراً للاستخبارات، ووقع في حينها مذكّرة تفاهم مع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم “شملت مجالات التعاون في مجالات مختلفة”، ثم عادت الهمّة بزيارةٍ احتفت بها الخرطوم وتل أبيب بهذا الشكل المبالغ فيه؟
*لا تقدّم وكالة أسوشييتد برس الأميركية تفسيراً للسؤالين، لكنها نشرت، غداة الزيارة الثانية لكوهين إلى الخرطوم، رواية يمكن أن تقدّم أحرفاً أولى لفهم عودة الحرارة اليوم إلى خط الخرطوم ــ تل أبيب. وفق قصة وكالة الأنباء تلك، لدى أميركا أولوية ستعيدها بقوة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اسمها طرد مرتزقة فاغنر من أفريقيا، شمالها ووسطها وغربها وشرقها. بحسب العنوان العام ذاك، المطلوب أميركياً من حكّام الخرطوم اليوم وغداً وضع حدٍّ لما بدأ منذ عام 2017، تاريخ مباشرة شركة القتل الروسية العمل في السودان، وهي التي قدّمت التدريب العسكري للمخابرات والقوات الخاصة، ولـ”قوات الدعم السريع”، وفقاً لمسؤولين سودانيين ووثائق اطّلعت عليها وكالة الأنباء الأميركية. وبحسب تلك الوثائق، يبدو أن القادة العسكريين السودانيين أطلقوا يد “فاغنر” على مناجم الذهب. وتظهر الوثائق أن مجموعة المرتزقة حصلت على حقوق التعدين من خلال شركاتٍ واجهة لها علاقات مع الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”.
*استناداً إلى هذه الرواية، ومع قليل من التحليل، يمكن توقّع أن يكون الضغط الأميركي لتسريع إنجاز البرهان اتفاقاً مع إسرائيل بنداً من سلّة بنودٍ أحدها إرغامه على طرد “فاغنر”، وهو ما يتوقع أن يتمدّد إلى ليبيا مع صديق فاغنر، خليفة حفتر. بموجب الصفقة تلك، ربما تقول أميركا للبرهان إن دعمه البقاء في السلطة، وتمكينه اقتصادياً من الحكم من خلال قروض صندوق النقد ومساعدات البنك الدولي أو عبر معونة أميركية مباشرة، مرتبطٌ بتلبيته جملة من الشروط، من بينها إنجاز اتفاق مع تل أبيب، والتخلص اليوم قبل الغد من مرتزقة فاغنر. إن صحّت القراءة تلك، تقول أميركا لمعارضي حكم العسكر في السودان، أجّلوا طموحات الانتقال الديمقراطي، أو انتخبوا البرهان رئيساً بصلاحياتٍ تنفيذيةٍ كاملة، وتسلّوا بتأليف برلمانٍ يشبه ما كانت عليه أحوال برلمانات عمر البشير.
نقلاً عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.