بشارة جمعة أرور يكتب: إصلاح المسار السياسي ضرورة وطنية ملحة
*سياسيون،إعلاميون ناشطون ونقابيون في قلوبهم خَلَّة ونفوسهم كلها عِلة وتلازم ألسنتهم الزَلَّة، ولعمري كأنهم رضعوا من ثناد أخرقٍ وكذوب وليست من أثداء الكريمات،فماذا نتوقعون من هؤلاء ؟!
هل وقف الناس على مسيرة الحياة السياسية العريجاء، التي تعكس وتوضح لنا أن نشوء الأحزاب والتنظيمات في السودان لم يقم على فكر أو رؤى ومبادئ أو فلسفة سياسية ترسم مسيرة البلاد،وهنالك أمر آخر أصبح سمة مميزة للأحزاب التقليدية في السودان وهي حاكمية وسيطرة الأسرة ومبدأ التوريث غير المكتوب وغير المنصوص عليه مع غياب الديمقراطية داخل الحزب، وانتقال ذات العدوة إلى الأحزاب الأخرى وكذلك الحركات حيث يستمر رئيس الحزب أو قائد الحركة والتنظيم إلى أطول فترة ممكنة حتى يقبض ملك الموت روح صاحب الكاريزما القيادية والقدسية السياسية ليدخل الحزب أو الحركة في حالة الاختلافات والصراعات وعدم الاستقرار…،والخصلة السائدة لدى القوى والتنظيمات السياسية كافة،هي التغابن وسياسة عدم التعاون والتضامن من أجل الوطن، كما يشتهرون بهواية نشر خطاب الكراهية والضغائن حيث يجيدون إضمار الحِقد الشديد وإستبدال الخير بالشر،والجيد بالرديء …،ومع ذلك يتحدثون عن ممارسة الديمقراطية…
*وبالرغم من كل ذلك نقول أن الوضع الماثل في السودان اليوم هو أيضا مسؤولية الكل، ولكن يتحمل القسط الأكبر منه القوى السياسية التقليدية وقياداتها، لأنها هي التي وضعت البلاد والعباد في هذا المحك الصعب والحرج،وحكمت على الحركة السياسية بالموت البطيء والتلاشي، بل أهانوا كرامة الإنسان السوداني وتلاعبوا بمقدرات الشعب،حينما إِسترهنوا موارد ومقدرات البلاد للأجنبي وكل من يدعي أنه شقيق أو صديق، ثم تقاعسوا عن القيام بالأدوار المناط بهم، ألا وهي اقتحام الصعاب وتذليلها مع بذل الجهود لطرح الرؤى والمبادرات لتحقيق المصلحة العامة للبلاد…
*وعليه لا مفر اليوم من التصحيح والإصلاح السياسي.
*ولكي نقوم بتصحيح المسارالسياسي في هذه المرحلة لابد من الإصلاح المؤسسي والإتفاق على ميثاق شرف يحكم التنافس السياسي
*وبالطبع قبل كل شيء لابد من الاعتراف بالعلل وضعف عطاء الأحزاب والتنظيمات السياسية لمواجه هذا الواقع السياسي المتردي وصورة الدولة التي صارت مشوهة في كل المجالات لدرجة مساواة الذين يعملون بالذين لا يعملون وربما أصبح الذين يعملون هم الأكثر عرضة لخسارة الكثير من حقوقهم دون أي وجه حق سِوى أنهم لا يمتلكون تلك الحناجر التي تصدر الأصوات الصاخبة وتطلق الأوهام وتوجه الانتقادات والتجريح المتعمد بقصد التقليل من شأنهم وتبخيس الناس أشياءهم…
*لذلك نقول وبالصوت العالي والداوي إنه بات من الضرورة حل الأحزاب والتنظيمات السياسية كافة في هذه المرحلة ومن ثم إعادة تأسيسها وتكوينها على أسس وقواعد جديدة منعاً لتزايد ظاهرة التناسل الانشطاري وتضخم أمراض المنافع والمصالح الشخصية والصفوية التي أقعدت ودمرت القوى السياسية فصارت مجرد مصادر و وسائل للتواصل والتكسب،وكذلك صار التخلي عن الأسس الأخلاقية للممارسات السياسية ومعالجة المشكلات بطرح الأفكار والاراء السديدة ، من فقه الضرورة حتى أصبحت سمة من سمات وصفات القادة في الأحزاب والتنظيمات السياسية.
*لذا تجدهم أول من يزيحون المبادئ ويهدرون القيم التي يبشرون بها ويضعونها على الجانب متى ما طرح لهم مشروع تسوية سياسية…، ولا يحرصون على الإستمساك بالمواقف والمبادئ بحجة أن إدارة الصراعات الأيديولوجية مع الخصوم تقتضي الغموض وفن المراوغة…، وريثما تنتهي مهمة القضاء على الخصوم السياسين من الخارج…، تظهر الخصومة الداخلية في الأحزاب والتنظيمات السياسية، وهؤلاء(خصوم التيارات الداخلية)أشد خصومة وشراسة من أولئك الأعداء لأن السبب، تصرفات وسلوكيات القيادة التي تغيرت وتحولت حتى وصلت إلى درجة فقدان الموضوعية والتجرد والالتزام بالمبادئ والقيم النبيلة التي آمنوا بها،لذلك كثرت عملية الانشقاقات والانسلاخات وسهولة تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية بسبب ضعف الدور السياسي للأحزاب أو التنظيمات في معالجة الأمور والقضايا الوطنية مع الغياب التام للكوادر في تحمل المسؤوليات والقيام بالواجبات وحقوق الوطن ، وهذا التراخي يشكل أكبر تهديد وأخطر أنواع المخاطر التي تهدد إستقرار الأوطان وتماسك الأحزاب فيتحول هذا الأمر إلى إحساس قاتل للأعضاء عندما يشعرون بالخواء الفكري وضبابية الرؤية لدى قيادات الأحزاب والتنظيمات على وجه الخصوص وفي الواقع السياسي على وجه العموم، وبالتالي يؤثر ذلك على رغباتهم في الإستمرار…وغالباً ما ينتهي بهم إلى تغليب نظرية التحرر من قيود الانتماءات السياسية لصالح ممارسة السياسة بدون أي تقيد وانتماء إلى أي جهة أو مؤسسة سياسية وهذا يعتبر خسارة لا تضاهيها خسارة لأنه يعتبر إهدار للقدرات والمهارات وتبديد للطاقات…
*والمعلوم للجميع أن القيادة السياسية المؤثرة بمثابة الحكيم للمجتمع والمعلم لبناء القيادات الناشئة، والحياة السياسية تصبح ممجوجة وبلا قيمة حينما تفتقر إلى القادة العظماء الملهمين للجماهير والشعوب بتهيئة المناخ وتوفير الظروف والعوامل الضرورية التي تساعد الأعضاء على أكتساب المهارات والقدرات وإمكانية توظيف الفرص وتطبيق الأفكار والمبادرات لتحقيق المصالح الوطنية، وكذلك يبدو النسق التنظيمي مختلاً إذا فقد المفكر والمرشد، وهذا الاختلال يؤدي إلى التصدع ثم الانهيار،طالما القيادات في القوى السياسية التقليدية ظلت في حالة انشغال تام بمشكلاتها الخاصة وهمومها الذاتية ومستجهلة لقواعدها وتتمادى في عدم تفعيل مشاركة القيادات الوسطى والنشطاء في الممارسة السياسية وتبادل المواقع القيادية في إدارة مؤسسات وأجهزة الأحزاب والتنظيمات السياسية بإعتباره نوع من أنواع التدريب العملي على المحك كبيان بالعمل واختبار لقدرات وخبرات الكوادر ثم العمل على صقل مواهبها وتجاربها والاعتناء بتربيتهم فكرياً وسياسياً…،والملاحظ أن تلك القيادات كانت ومازالت تسعى إلى كسب القدسية أو الاستدامة والبقاء في مواقعها وكثيراً ما تمانع وتستميت في عدم إتاحة الفرص للقيادات الشابة لكي يتم تبادل الأدوار والوصول إلى المراكز القيادية العليا تبعاً لمقدار الجهد وحجم العطاء للأعضاء على قدم المساواة، واليوم تمارس ذات الإهمال والتماطل المتعمد…، بل تعطل أحيانا عمداً توزيع المهام وإقامة المناشط التدريبية والتنشيطية كل ما كان الأمر لا يصب في مصلحتها،وبهذه الطريقة ومع إستمرار هذه الحالة تتشكل الأسباب وتتوفر الظروف الموضوعية المناسبة للانسلاخات وتساقط العضوية…،وهكذا ظل ينفرط عقد الأحزاب والتنظيمات السياسية نتيجةً لغياب التلاحم السياسي وتعاقب الأجيال عن طريق تلاقح الأفكار وتبادل الآراء و وجهات النظر والمقترحات المتجددة في إطار تصحيح المفاهيم حسب الأوضاع وتطور المواقف و تجدد ضرورات العصر في ظل تناقض الثوابت مع المتغيرات بجانب إعادة صياغة قواعد التفكير والتعاملات ليستمر العمل السياسي بروح الفريق الواحد المتجانس والمرصع بالرؤى والأفكار المتجددة لتحقيق الأهداف والتطلعات الموشحة بالطموحات والأمنيات المتمددة، بالعزيمة والإصرار لبلوغ المرام والمبتغى من الغايات السامية.
*وفي ضوء عدم وجود ترتيب لتلك السلسلة المذكورة أعلاه، من الطبيعي أن تزداد الشروخ إتساعاً فيتشرذم الحزب والتنظيم أو الحركة إلى تيارات ثم كيانات، بل إلى مجموعة حركات وتنظيمات أو أحزاب تحمل ذات الإسم مع إضافة كلمة أو كلمتين في نهاية المسمى بغرض تمييزه عن أصله دون أي فرق واضح في الأفكار والمبادئ والرؤى والأهداف…، وهذا يعكس حالة العجز في إنتاج الأفكار وطرح الحلول الممكنة للمشكلات والأزمات، مما يؤكد أن سبب الخلافات في التنظيمات والقوى السياسية في السودان ليست حول البرامج والمبادئ والقيم والأهداف وإنما لأسباب خاصة تتعلق بالتطلعات والطموحات والأطماع الشخصية.
*ولعمري فإن المال والسلطة أصل الداء والعلل التي أصابت التنظيمات والقوى السياسية كافة.
ومهما بلغ بنا التفاؤل مبلغاً بأن في الإمكان إحداث تغيير وإصلاحات في الممارسة الديمقراطية وإشاعة الحرية لتطوير الأحزاب والتنظيمات السياسية من الداخل إلا أنه من الصعب أن يكون هناك أي ضامن يمنع تكرار مسرحية التشظي والتشرذم الذان أصبحا يلازمان موعد إعلان الحكومات أو تعيينات المناصب العليا ذات الصبغة السياسية حتى باتت تمثل متلازمة الكنكشة والتشبث بكراسي السلطة.
إذاً لابد من الوقوف عند هذه الظاهرة ودراستها التي أثبتت بالتجربة أن تجلياتها وما وراءها من أسباب ودواعي حقيقية تستدعي النظر بإمعان كما أشرنا آنفاً بضرورة حل الأحزاب والتنظيمات السياسية وإعادة تكوينها وتشكيلها لكي يتم تأسيسها على أسس ومعايير جديدة تلائم تطورات المرحلة ليتخلص البلاد من تلكم الأحزاب الصفوية والتقليدية والأيدلوجيا المتحجرة التي عجزت وشاخت من شدة التكلس والتصدع الفكري.
*والسودان في هذه المرحلة الحرجة يحتاج إلى مراجعات عميقة وتغييرات جذرية وتحولات كبيرة في كل الأصعدة والمجالات لضمان تماسك بنائه على صعيد الجبهة الداخلية بتقوية الوحدة الوطنية وتنمية الشعور الوجداني بالانتماء والمصير المشترك، لأنهما قطبي السلام والأمن،الاستقرار والتنمية، والتقدم والازدهار لأي دولة. ولذلك لا مناص ولا مفر من حل القوى السياسية بغرض إعادة تكوينها وتأسيسها على أسس وقواعد جديدة باعتباره ضرورة وطنية ملحة في هذه المرحلة إن كان الهم بناء الوطن وإستشراف المستقبل.
( حرية-سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب)
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.