محمد مصطفى جامع يكتب: خطورة الصفقة الإماراتية المشبوهة في السودان
*ما نشرته وكالة رويترز حصرياً في يونيو/ حزيران الماضي عن صفقة وشيكة بين الحكومة العسكرية في السودان وتحالف إماراتي – يضم شركتي موانئ أبوظبي (حكومية) وإنفيكتوس للاستثمار – تم تأكيده بل والتوقيع عليه رسمياً قبل أيامٍ في الخرطوم، رغم النفي المغلظ الذي أصدره وزير المالية في حكومة الانقلاب العسكري جبريل إبراهيم قبل أشهر.
*ميناء “أبو عمامة” الذي ينوي التحالف الإماراتي إنشاءه ضمن حزمة استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار، من المتوقع أن يقضي تماماً على الميناء الرئيس في بورتسودان، كما أنه يثير مخاوف المهتمين بالبيئة والسياحة من تدميره المتوقع لمحمية تم تسجيلها لدى منظمة اليونسكو ضمن التراث الطبيعي العالمي، فضلاً عن تأثيره المنتظر على الشعب المرجانية الطبيعية التي تزخر بها المنطقة.
*النقطة الأخرى الأكثر إثارة للجدل، هي لماذا استعجل الطرفان (الحكومة الإماراتية والسلطة العسكرية في السودان) توقيع الاتفاق في هذا التوقيت بالذات؟ رغم الظروف الحرجة التي يمر بها السودان في الوقت الحالي؟ حيث لا دولة ولا برلمان ولا حتى حكومة بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان العام الماضي على الحكومة المدنية، حيث حلّ مجلس الوزراء وأقعد اقتصاد البلاد كما فقد الوطن أكثر من 120 شاباً هم ضحايا الحملة الوحشية من القمع التي يقابل بها النظام العسكري جموع الشباب الرافضين للانقلاب منذ يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
*تسجيل صوتي على تطبيق “الواتساب” للدكتور إبراهيم أونور، أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة الخرطوم، تحققت من صحته، تحدّث فيه باستفاضة عن خطورة الصفقة وشكك في توقيتها، قال إن الاتفاق في شكله الحالي استثمار غريب، فيه عدم وضوح وضبابية شاملة. وشكّك أونور في أن تكون هذه الصفقة عُرضت على مستشارين متخصصين لدراستها من كل الجوانب ثم الرفض أو الموافقة عليها.
*كما يتساءل أونور – وهو أحد أبناء شرق السودان – عن عدم توضيح فترة وصيغة الاستثمار التي تم الاتفاق عليها هل هي فترة قصيرة أم متوسطة أم طويلة؟ وهل تشمل صيغة الاستثمار الإماراتي بناء وتشغيل الميناء وتحويله أم تملكه نهائياً؟ وما مدة العقد؟ 30 سنة، 50 سنة؟ لافتاً إلى أن الحكومة الحالية غير مخولة لإبرام اتفاقات طويلة الأمد، وقال بشكل صريح “المستثمر استغل البلد المضطرب وحاجة النظام إلى النقد الأجنبي (تضم الصفقة منحة قدرها 300 مليون دولار للنظام)، ما يعني أن هذا المبلغ عبارة عن (رشوة) سياسية”.
*نعتقد أن الجملة التي تكررت في تقرير وكالة الأنباء الحكومية الرسمية في الخرطوم، “الميناء الجديد سينافس الميناء الوطني الرئيسي”، هي جملة مضللة للغاية، إذ إن العبارة الصحيحة هي أنه “سيقضي تماماً على ميناء بورتسودان”، الذي يعمل به 16 ألف عامل مباشرة وتعتمد عليه عاصمة البحر الأحمر بشكل شبه كامل، فميناء بورتسودان يعاني بشدة من الإهمال ونقص المعدات وبطء في الإجراءات.
*نتفهم تماماً أن البلاد تحتاج إلى استثمارات جديدة وميناء جديد، بعيداً عن سيطرة مجلس الناظر ترك الذي لعب دوراً كبيراً في إغلاق الميناء الحالي (بورتسودان)، العام الماضي، ما مهّد لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، لكن فرصة تكرار هذا الإغلاق ضئيلة للغاية إن لم تكن مستحيلة، نظراً لأن الوضع لم يعد كما كان في السابق، إذ لا يزال أهل الشرق يعانون من تبعات الإغلاق السابق، وهذا ما جعلهم يرفضون ويُفشلون بشكل قاطع محاولة إغلاق جديد للميناء قامت بها مجموعات موالية لآخر رئيس وزراء في عهد نظام البشير محمد طاهر ايلا، الأسبوع الماضي.
*نقاط أخرى تثير الريبة مثل عدم طرح المشروع في عطاءات للمستثمرين داخل البلاد وخارجها، ولم يتمَّ الكشف عن بنوده أو الإفصاح عن تفاصيل الصفقة لمجلس تشريعي أو حتى لمختصين في المجال، وفق ما أفاد به خبراء النقل والموانئ، وذاك ما يجعلنا نتذكر أن من أهم أهداف الانقلابات تمرير الصفقات “الفاسدة والمشبوهة”.
*ما زال هناك أمل في الحراك الشعبي لأهل الشرق المتوقع في الأيام القادمة لتصعيد مقاومتهم لهذه الصفقة الفاسدة التي تم التفاوض عليها في الظلام! ولا يغيب عن الذهن أن معظم الموانئ الموجودة على سواحل البحر الأحمر لها أهمية استراتيجية وأمنية معقدة لا يتم منحها/ بيعها بهذه السهولة ومن دون موافقة برلمان منتخب.
نقلاً عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.