الطاهر ساتي يكتب: ليس بالتوجيه..!!
:: ومع زخم أخبار السياسة (المملة)، هناك خبر عن توجيه صادر عن الفريق مهندس سر الختم بابكر، مدير مطارات السودان بسلطة الطيران المدني، بصيانة وتشغيل مطار دنقلا، وذلك عقب اجتماع مع والي الشمالية.. وقبل التعليق على الخبر، أحدثكم عن مطار دنقلا قليلاً.. أبو زيد عبد الله هارون، المدير الأسبق، لم يكتفِ بتحديث وتأهيل مطار دنقلا قبل عقدين من الزمان، بل صنع حياة كاملة الدسم بجوار المطار، وكان للرجل حلماً استراتيجاً بحجم الوطن..!!
:: كان بجوار المطار العريق فندقاً هو الأجمل في المدينة، ومسرح خليل فرح كان زاهياً في تلك الفيافي، ثم حدائق المطار التي كانت تستقبل أفراح الناس، وغابات من النخيل، ومخازن بمواصفة علمية لتخزين وتصدير الخضر والفاكهة.. وتلاشت كل تلك الحياة، وأصاب الجفاف خضرتها واليباس نخيلها، وتحولت كل المباني – بما فيها صالات وغرف الفندق والمخازن والمسرح والحدائق – إلى خرابات ينعق فيها البوم نهاراً، وترتع فيها العناكب والعقارب ليلاً..!!
::وماتت أجمل رقعة بدنقلا بتوقف حركة الطيران، ولم يتحقق الحلم الاستراتيجي لهارون، وهو تصدير الخضر والفاكهة عبر مطار دنقلا، فاليد الواحدة لا تصفق.. وكل الأيدي والعقول المناط بها مهام تحريك عجلة الإنتاج والتصدير وتشغيل مطار دنقلا وتطوير تلك الحياة التي أهدرت فيها المليارات، فهي (مغلولة ومقفولة).. وكما عجزت سلطة الطيران عن تشغيل المطار، أيضاً عجزت كل الحكومات أعن إنتاج الخضر والفاكهة، رغم توفر الأرض والمياه والكهرباء والسواعد..!!
::وهكذا حال مطار مروي أيضاً.. أكبر مطار بالبلد، لا يزال مجرد عمالة بلا عمل.. والمؤسف، رغم أنف الأرض الخصبة وكهرباء السد وبحيرة السد، لم يودع مطار مروي طائرة تصدير، ولم يستقبل طائرة سواح.. فالعقول المناط بها تشغيل المطار وتحريك عجلة الإنتاج والتصدير كانت ولا تزال (مغلولة ومقفولة).. وكذلك مطار وادي حلفا، بالطرف الشمالي لأرض البلد، ذاب في الصحراء لحد عدم تمييز الناس حدود المطار ومدرجها الترابي عن (بقية الفيافي)..!!
:: والمدهش بمطار حلفا أيضاً عمالة بلا عمل، كما الحال بمطاري دنقلا ومروي.. وكما عجزت سلطة الطيران عن تأهيل وتشغيل مطار وادي حلفا، فإن السلطات الأخرى عجزت أيضاً عن الإنتاج والتصدير عبر هذا (المطار الاستراتيجي).. بالإنتاج والتجارة، وليس بالتوجيه والأماني، تزدهر المطارات وتضج صالاتها بالناس والحياة.. نعم، بالإنتاج والتجارة تشرق المطارات وأقليمها، وليس بوداع واستقبال المسؤولين وحفنة ركاب، أو كما يحدث بمطارات دارفور والشرق..!!
:: كل إقليم في بلادنا يجاور دولة أو دول أجنبية، ومع ذلك تعجز الأنظمة عن إدارة البلد بحيث تكون مركزاً اقتصادياً للعرب والأفارقة.. كل عوامل النجاح متوفرة، وهي الأرض والنيل والمطر والسواعد والعقول والموقع الجغرافي، وما غير المتوفر هو فقط نظام الحكم الواعي.. وليس بالتوجيه وحده يحيا المطار، ولكن بالسياسات الجاذبة للاستثمار والمحركة لعجلة الإنتاج.. وعليه، وفرواً تلك السيسات، لتأتي شركات الطيران – إلى دنقلا وغيرها – وهي تجرجر طائراتها..!!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.