باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

بابكر فيصل يكتب: السودان.. محاولات الإخوان العبثية للعودة للسلطة

1٬373

*في رثائه للمفكر المصري الراحل، كمال أبو المجد، قال سعد الدين إبراهيم إن كثيرين سيذكرون مآثر الرجل، من بينهم “عقلاء جماعة الإخوان المسلمين” الذين طالما نصحهم بأن يتجاوزوا الماضي ويستفيدوا من دروسه، وأضاف أنه سأل أبو المجد عن الحكمة وراء تلك النصيحة بالذات فأجابه قائلا: “إن أغلبية الإخوان المسلمين، وخاصة قياداتهم كانوا مثل أسرة البوربون التي حكمت فرنسا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر: لا يتذكرون شيئا، ولا يتعلمون شيئا، فيرتكبون الخطايا نفسها، فيثور عليهم الشعب من جديد”.

*بعد السقوط الكبير لنظام حكم جماعة الإخوان في السودان بثورة شعبية عارمة في أبريل 2019 كان المؤمل أن تعكف الجماعة على مراجعة وتقييم تجربتها في الحكم التي استمرت 30 عاما وانتهت بالفشل المدوي الذي أدى لخروج الملايين للمطالبة بذهاب سلطتها الاستبدادية في ثورة مازالت فصولها مستمرة حتى اليوم.

*ولكن على العكس من ذلك، وكما قال أبو المجد، اتضح أنهم لم يتعلموا شيئا، حيث عادوا لانتهاج ذات الممارسات التي وسمت حكمهم الباطش الطويل، والمتمثلة في رفع الشعارات الدينية الهادفة لدغدغة مشاعر الناس من أجل تحقيق أهداف سياسية فاشلة ومجربة، فضلا عن استخدام كافة الوسائل والأساليب الفاسدة للانتقاص من مواقف القوى الثورية وإعاقة عملية التحول المدني الديمقراطي في البلاد.

*الهدف الأساسي الذي بنوا عليه خطتهم تمثل في محاولة تصوير القوى الثورية وكأنها قوى عميلة تستقوى بالأجنبي وتنتقص من سيادة البلد، حيث زعموا كذباً وتضليلاً أن الإعلان الدستوري الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين وأصبح أساساً للعملية السياسية في البلاد تمت صياغته خارج البلاد بواسطة قوى أجنبية، وهو ادعاء ساذج لا يصمد أمام أية نظرة عقلانية في جميع بنود الإعلان.

*وقد نسى أو تناسى فلول الإخوان أن نظامهم الفاسد كان قد فتح الباب عريضاً أمام التدخل الأجنبي في شؤون البلاد بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، وليس أدل على ذلك من دخول أكثر من 25 ألف جندي أممي لحماية المدنيين في إقليم دارفور ضمن بعثة “يوناميد” أمام سمع وبصر الإخوان الذين يحركون المواكب الهزيلة اليوم مطالبين بطرد رئيس بعثة “يونيتامس” فولكر بيرثيز.

*كما نسى فلول البوربون الذين لا يتذكرون شيئاً أن رأس نظامهم الفاشي الجنرال المخلوع، عمر البشير، قد طلب علانية وأمام بصر وسمع العالم أجمع من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الدفاع عن نظامه الحاكم وحمايته، وطلب منه رسميا إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر لذلك الغرض؟

*وكذلك نسى فلول الجماعة أن جهاز مخابراتهم قد فتح خزائن معلوماته ووثائقه في إطار تعاونه مع أجهزة المخابرات الغربية وعلى رأسها الأميركية في حربها على الجماعات المتطرفة التي كان نظام الإخوان قد فتح لقادتها أراضي السودان للإقامة والتدريب والتخطيط للعمليات الإرهابية، فهل يوجد انتقاص لسيادة البلد أكثر من ذلك؟

*الإخوان هم آخر من يتحدث عن التفريط في سيادة البلد ووحدة أراضيه والتدخل الأجنبي في شأنه، أليسوا هم من فرطوا في ثلث الأرض (جنوب السودان) ثمناً لاستمرار دولتهم الاستبدادية الفاشلة وشعاراتهم الدينية الجوفاء؟ أليسوا هم من صمتوا عن ذهاب الفشقة وحلايب ثمناً لحماقاتهم ومغامراتهم الصبيانية بالتدخل في شؤون الجيران؟

*كان على فلول النظام أن يستحوا من تكرار الأسطوانة المشروخة حول ضياع “الإسلام” بسبب مسودة الإعلان الدستوري التي زعموا كذبا أنها تحارب الدين، فقد تشبع السودانيون من الشعارات البائسة التي لم تجن البلاد منها سوى الانحطاط الأخلاقي والفساد الكبير الذي عم جهاز الدولة، فضلاً عن بعث العصبيات القبلية وإشعال الحروب الأهلية.

*قد فشلت دعوات الحشد والتجمهر التي دعا لها فلول الإخوان في الأيام الماضية، حيث ظهرت تجمعاتهم بشكل هزيل أوضح أن مساعيهم للعودة للمشهد السياسي الحالي مستحيلة، وهو أمرٌ بديهي لكل عاقل تابع مجريات الأحداث السودانية في السنوات الثلاث الماضية ولكن الجماعة المتعطشة دوما للسلطة لم تستوعب التغيير الذي أحدثته الثورة في المجتمع السوداني وظنت أن عودتها للحكم سهلة وممكنة.

*إن أول مظاهر استسهال الفلول لأمر عودتهم يتمثل في أن الجماعة التي حكمت البلاد 30 عاما بالحديد والنار وارتكبت من الأخطاء ما لم يرتكبه أي نظام حكم وطني منذ الاستقلال، لم تكلف نفسها طوال السنوات الثلاث الماضية بإصدار ورقة أو كتيب لنقد وتقييم تجربتها الطويلة في الحكم بشكل موضوعي.

*كذلك عجزت الجماعة عن الاعتذار للشعب السوداني عن العسف والبطش الذي مارسته والجرائم التي ارتكبتها خلال فترة حكمها وهي الممارسات التي دفع السودانيون ثمنها غاليا من المهج والأرواح والدماء.

*ومن ناحية أخرى، فقد فشل الإخوان أيضاً في إجراء مراجعات حقيقية وعلنية تطال العديد من المبادئ والمرتكزات التي ينهض عليها بنيان الجماعة الفكري والتي تسببت في تشييد دولة الاستبداد والفساد والحروب الأهلية والعزلة عن العالم، وهي مراجعات ضرورية لن يستطيعوا العودة للسلطة، حتى عبر الانتخابات، دون القيام بها.

*إن محاولات الجماعة للعودة للسلطة عبر وضع العراقيل والعقبات والمتاريس أمام نجاح الفترة الانتقالية، والسعي لإعادة تدوير الشعارات البائسة، لن تعود عليها إلا بالمزيد من العزلة عن جماهير الشعب السوداني التي جربت حكم الإخوان لسنوات طويلة ولم تر منهم حتى الآن ما يوحي بتغير سلوكهم وممارساتهم.

نقلاً عن وكالة الحرة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: